الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب المواضع المنهي عنها والمأذون فيها للصلاة

                                                                                                                                            610 - ( عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته } . متفق عليه ، وقال ابن المنذر : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " جعلت لي كل الأرض طيبة مسجدا وطهورا " . رواه الخطابي بإسناده ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قد تقدم الكلام على طرقه وفقهه في التيمم فلا نعيده وهو ثابت بزيادة طيبة من رواية أنس عند ابن السراج في مسنده قال العراقي : بإسناد صحيح . وأخرجه أيضا أحمد والضياء في المختارة ، وأشار إلى حديث أنس أيضا الترمذي . قال العراقي في شرح الترمذي ما لفظه : وحديث جابر أخرجه البخاري ومسلم والنسائي من رواية يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أعطيت خمسا فذكرها وفيه : وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا } الحديث انتهى . فعلى هذا يكون زيادة طيبة مخرجة في الصحيحين ، ولكنه ذكر البخاري الحديث من طريق يزيد الفقير عن جابر في التيمم والصلاة ، وليس فيه هذه الزيادة . وأما مسلم فصرح بها في صحيحه في الصلاة [ ص: 154 ] وهي تدل على أن المراد بالأرض المذكورة في الحديث ليس هي الأرض جميعها كما يدل على ذلك زيادة لفظ كلها في حديث حذيفة عند مسلم وكما في حديث أبي ذر وحديث أبي سعيد الآتيين بل المراد الأرض الطاهرة المباحة لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة والمغصوبة ليست بطيبة شرعا ، نعم من قال : إن التأكيد ينفي المجاز ، قال المراد بالأرض المؤكدة بلفظ كل جميعها وجعل هذه الزيادة معارضة لأصل الحديث لأنها وقعت منافية له ، والزيادة إنما تقبل مع عدم منافاة الأصل فيصار حينئذ إلى التعارض . وقد حكى بعضهم أن في التأكيد بكل خلافا هل يرفع المجاز أو يضعفه ؟ والظاهر عدم الرفع لما في الصحيح من حديث عائشة { كان يصوم شعبان كله كان يصوم نصفه إلا قليلا } والقول بأنه يرفع المجاز يستلزم عدم صحة وقوع الاستثناء بعد المؤكد كما صرح بذلك القائلون به . وللمقام بحث ليس هذا موضعه . ومما يدل على عدم الرفع الأحاديث الواردة في المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وغيرهما وسيأتي ذكرها .

                                                                                                                                            611 - ( وعن أبي ذر قال : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع أول ؟ قال : المسجد الحرام ، قلت : ثم أي ؟ قال المسجد الأقصى ، قلت : كم بينهما ؟ قال : أربعون سنة قلت : ثم أي ؟ قال : حيثما أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد } . متفق عليه ) .

                                                                                                                                            قوله ( قال : أربعون ) يعني في الحدوث لا في المسافة .

                                                                                                                                            قوله : ( حيثما أدركت ) لفظ مسلم { وأينما أدركت الصلاة فصله فإنه مسجد } وفي لفظ له " ثم حيثما أدركتك " وفي لفظ له أيضا " فحيثما أدركتك الصلاة فصل " . قال النووي : وفيه جواز الصلاة في جميع المواضع إلا ما استثناه الشرع من الصلاة في المقابر وغيرها من المواضع التي فيها النجاسة كالمزبلة والمجزرة وكذا ما نهى عنه لمعنى آخر فمن ذلك أعطان الإبل ، ومنه قارعة الطريق والحمام وغيرهما وسيأتي الكلام على ذلك مستوفى .

                                                                                                                                            قوله : ( فكلها ) هو تأكيد لما فهم من قوله " حيثما أدركت " وهو الأرض أو أمكنتها .

                                                                                                                                            612 - ( وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام } . رواه الخمسة إلا النسائي ) . الحديث أخرجه الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم . قال الترمذي : وهذا حديث [ ص: 155 ] فيه اضطراب رواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ، ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال : وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن أبي سعيد ، وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أثبت وأصح انتهى . وقال الدارقطني في العلل : المرسل المحفوظ . ورجح البيهقي المرسل . وقال النووي : هو ضعيف . وقال صاحب الإمام : حاصل ما علل به الإرسال ، وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول . قال الحافظ : وأفحش ابن دحية فقال في كتاب التنوير له : هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال فلم يصب انتهى . والحديث صححه الحاكم في المستدرك وابن حزم الظاهري ، وأشار ابن دقيق العيد في الإمام إلى صحته .

                                                                                                                                            وفي الباب عن علي عند أبي داود . وعن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وسيأتي . وعن عمر عند ابن ماجه . وعن أبي مرثد الغنوي عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وسيأتي . وعن جابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن الحصين ومعقل بن يسار وأنس بن مالك جميعهم عند ابن عدي في الكامل وفي إسناد حديثهم عباد بن كثير ضعيف جدا ضعفه أحمد وابن معين . قال ابن حزم : أحاديث النهي عن الصلاة إلى القبور والصلاة في المقبرة أحاديث متواترة لا يسع أحدا تركها . قال العراقي : إن أراد بالتواتر ما يذكره الأصوليون من أنه رواه عن كل واحد من رواته جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب في الطرفين والواسطة فليس كذلك فإنها أخبار آحاد وإن أراد بذلك وصفها بالشهرة فهو قريب ، وأهل الحديث غالبا إنما يريدون بالمتواتر المشهور انتهى .

                                                                                                                                            وفيه أن المعتبر في التواتر هو أن يروي الحديث المتواتر جمع عن جمع يستحيل تواطؤ كل جمع على الكذب لا أنه يرويه جمع كذلك عن كل واحد من رواته ما لم يعتبره أهل الأصول اللهم إلا أن يريد بكل واحد من رواته كل رتبة من رتب رواته .

                                                                                                                                            قوله : ( إلا المقبرة ) مثلثة الباء مفتوحة الميم وقد تكسر الميم وهي المحل الذي يدفن فيه الموتى . والحديث يدل على المنع من الصلاة في المقبرة والحمام . وقد اختلف الناس في ذلك . أما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ، ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئا يقيه من النجاسة أم لا ، ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ، ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار .

                                                                                                                                            قال ابن حزم : وبه يقول طوائف من السلف فحكي عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس ، وقال : ما نعلم مخالفا من الصحابة . وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم . وقوله [ ص: 156 ] لا نعلم لهم مخالفا في الصحابة إخبار عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة وحكي أيضا عن الحسن أنه صلى في المقبرة .

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور بالله والهادوية وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها . وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال : إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم ، وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة ، فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته . وإلى مثل ذلك ذهب أبو طالب وأبو العباس والإمام يحيى من أهل البيت ، وقال الرافعي : أما المقبرة فالصلاة مكروهة فيها بكل حال . وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها .

                                                                                                                                            وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة ، والأحاديث ترد عليه وقد احتج له بعض أصحابه بما يقضي منه العجب فاستدل له بأنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء ، وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له ، وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه ، فيكون الحق التحريم والبطلان ، لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة . وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه ومن صلى فيه أعاد أبدا . وقال أبو ثور : لا يصلي في حمام ولا مقبرة على ظاهر الحديث وإلى ذلك ذهبت الظاهرية .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس أنه قال : " لا يصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة " . قال ابن حزم : ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة وروينا مثل ذلك عن نافع بن جبير بن مطعم وإبراهيم النخعي وخيثمة والعلاء بن زياد عن أبيه . قال ابن حزم : ولا تحل الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالي حيطانه خربا كان أو قائما ، فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم حمام جازت الصلاة في أرضه حينئذ انتهى .

                                                                                                                                            وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث { أينما أدركت الصلاة فصل } وحملوا النهي على حمام متنجس . والحق ما قاله الأولون لأن أحاديث المقبرة والحمام مخصصة لذلك العموم ، وحكمة المنع من الصلاة في المقبرة قيل هو ما تحت المصلي من النجاسة ، وقيل : لحرمة الموتى ، وحكمة المنع من الصلاة في الحمام أنه يكثر فيه النجاسات وقيل : إنه مأوى الشيطان . [ ص: 157 ]

                                                                                                                                            613 - ( وعن أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها } . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) . الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور ، وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها ، وظاهر النهي التحريم . وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر أخيه } .

                                                                                                                                            وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه ، قال : وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة وفي الموطأ عن علي أنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها وفي البخاري أن يزيد بن ثابت أخا زيد بن ثابت كان يجلس على القبور ، وقال : إنما ذلك لمن أحدث عليها .

                                                                                                                                            وفيه عن ابن عمر أنه كان يجلس على القبور وقد صحت الأحاديث القاضية بالمنع ولا حجة في قول أحد لا سيما إذا كان معارضا للثابت عنه صلى الله عليه وسلم ، وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر بلفظ { نهى أن يجصص القبر ويبنى عليه وأن يكتب عليه وأن يوطأ } وهو في صحيح مسلم بدون الكتابة . وقال الحاكم : الكتابة على شرط مسلم والجلوس لا يكون غالبا إلا مع الوطء .

                                                                                                                                            614 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا } . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            قوله : ( من صلاتكم ) قال القرطبي : من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا : { إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته } وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن . قال الحافظ : وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح ، وقد بالغ الشيخ محيي الدين فقال : لا يجوز حمله على الفريضة .

                                                                                                                                            قوله ( ولا تتخذوها قبورا ) لأن القبور ليست بمحل للعبادة ، وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر ، ونازعه الإسماعيلي فقال : والحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر ، وتعقب بأن الحديث قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر " وقال ابن التين : تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر ، وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى [ ص: 158 ] الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال : فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك . قال الحافظ : إن أراد لا يؤخذ بطريق المنطوق فمسلم ، وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا ، وقيل : يحتمل أن المراد لا تجعلوا البيوت وطن النوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت ، والميت لا يصلي . وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر . ويؤيده ما رواه مسلم { مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت } .

                                                                                                                                            قال الخطابي : وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء ، فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وتعقبه الكرماني بأن قال : لعل ذلك من خصائصه . وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما روى ذلك ابن ماجه بإسناد فيه حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف ، وله طريق أخرى مرسلة . قال الحافظ : فإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك ، بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر ، فتصير الصلاة فيها مكروهة .

                                                                                                                                            ولفظ أبي هريرة عند مسلم من حديث الباب ، وهو قوله : " لا تجعلوا بيوتكم مقابر " فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا انتهى . وكأن البخاري أشار بترجمة الباب بقوله باب كراهة الصلاة في المقابر إلى حديث أبي سعيد المتقدم لما لم يكن على شرطه .

                                                                                                                                            615 - ( وعن جندب بن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول { إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك } . رواه مسلم ) . الحديث أخرجه النسائي أيضا .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عائشة عند الشيخين والنسائي . وعن أبي هريرة عند الشيخين وأبي داود والنسائي . وعن ابن عباس عند أبي داود والترمذي وحسنه ، وله حديث آخر عند الشيخين والنسائي . وعن أسامة بن زيد عند أحمد والطبراني بإسناد جيد . وعن زيد بن ثابت عند الطبراني بإسناد جيد أيضا . وعن ابن مسعود عند الطبراني بإسناد جيد أيضا . وعن أبي عبيدة بن الجراح عند البزار ، وعن علي عند البزار أيضا ، وعند أبي سعيد عند البزار أيضا .

                                                                                                                                            وفي إسناده عمر بن شعبان وهو ضعيف . وعن جابر عند ابن عدي .

                                                                                                                                            والحديث يدل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصلحاء مساجد .

                                                                                                                                            قال العلماء : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في [ ص: 159 ] تعظيمه والافتتان به ، وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ، ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه .

                                                                                                                                            وفيها حجرة عائشة مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور ، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين حرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر .

                                                                                                                                            وقد روي أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد كان في مرض موته قبل اليوم الذي مات فيه بخمسة أيام ، وقد حمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان وهو تقييد بلا دليل ، لأن التعظيم والافتتان لا يختصان بزمان دون زمان ، وقد يؤخذ من قوله : { كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد } في حديث الباب ، وكذلك قوله في حديث ابن عباس عند أبي داود والترمذي بلفظ { المتخذين عليها المساجد } أن محل الذم على ذلك أن تتخذ المساجد على القبور بعد الدفن ، لا لو بني المسجد أولا وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره فليس بداخل في ذلك . قال العراقي : والظاهر أنه لا فرق ، وأنه إذا بني المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته وقفه مسجدا والله أعلم انتهى . واستنبط البيضاوي من علة التعظيم جواز اتخاذ القبور في جوار الصلحاء لقصد التبرك دون التعظيم . ورد بأن قصد التبرك تعظيم .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية