الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن استأجر دابة إلى الحيرة بدرهم وإن جاوز بها إلى القادسية فبدرهمين فهو جائز ، ويحتمل الخلاف وإن استأجرها إلى الحيرة على أنه إن حمل عليها كر شعير فبنصف درهم ، وإن حمل عليها كر حنطة فبدرهم فهو جائز في قول أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : لا يجوز ) وجه قولهما أن المعقود عليه مجهول ، وكذا الأجر أحد الشيئين ، وهو مجهول والجهالة توجب الفساد ، بخلاف الخياطة الرومية والفارسية ; لأن الأجر يجب بالعمل وعنده ترتفع الجهالة .

أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتبقى الجهالة ، وهذا الحرف هو الأصل عندهما . ولأبي حنيفة أنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين فيصح كما في مسألة الرومية والفارسية ، وهذا ; لأن سكناه بنفسه يخالف إسكانه الحداد ; ألا ترى أنه لا يدخل ذلك في مطلق العقد وكذا في أخواتها ، [ ص: 136 ] والإجارة تعقد للانتفاع وعنده ترتفع الجهالة ، ولو احتيج إلى الإيجاب بمجرد التسليم يجب أقل الأجرين للتيقن به .

التالي السابق


( قوله : أما في هذه المسائل يجب الأجر بالتخلية والتسليم فتبقى الجهالة ، وهذا الحرف هو الأصل عندهما ) قال صاحب التسهيل : يرد على أصلهما مسألة التخيير بين مسافتين مختلفتين ، فإن الأجر يجب بالتسليم من غير عمل فيلزم أن يفسد عقد الإجارة ثمة عندهما مع أنه جائز عند أصحابنا وفاقا إلا عند زفر ، انتهى [ ص: 136 ] كلامه . أقول : يمكن أن يجاب عنه بأن الأجر ، وإن وجب في الصورة المذكورة بالتسليم من غير عمل إلا أنه لا يجب بمجرد التسليم والتخلية ، بل لا بد في وجوبه من قطع المسافة المعينة في ذلك العقد ، فإنهم صرحوا بأنه إذا استأجر دابة إلى الكوفة فسلمها المؤجر وأمسكها المستأجر ببغداد حتى مضت مدة يمكنه المسير فيها إلى الكوفة فلا أجر عليه ، وإن ساقها معه إلى الكوفة فلم يركبها وجبت الأجرة . انتهى .

ففي مسألة التخيير بين مسافتين مختلفتين ترتفع الجهالة بقطع مسافة من تينك المسافتين ، بخلاف ما نحن فيه على أصلهما ( قوله : ولو احتيج إلى الإيجاب بمجرد التسليم يجب أقل الأجرين للتيقن به ) يعني ولو احتيج إلى إيجاب الأجر بمجرد التخلية والتسليم ، بأن يسلم العين المستأجرة إلى المستأجر ، ولم ينتفع به قط حتى تعلم المنفعة يجب أقل الأجرين اللذين سميا في العقد للتيقن به . أقول : لقائل أن يقول : لو جاز الأخذ بالأقل في دفع الجهالة الواقعة في باب الإجارة بناء على كونه متيقنا لصحت الإجارة فيما إذا سمى لعمل معين أو لمنفعة معينة أجرين متغايرين على سبيل البدل كأن قال : خط هذا الثوب بدرهم أم بنصف درهم ، أو قال : اسكن في هذا البيت بدرهم أو بنصف درهم وجب أقل الأجرين اللذين سماهما ولم يقل به أحد فتأمل في الدفع ، والله الموفق .




الخدمات العلمية