الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن استقرض عشرة أفلس ثم كسدت تلك الفلوس لم يكن عليه إلا مثلها في قول أبي حنيفة قياسا ، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : قيمتها من الفضة - استحسانا - ; لأن الواجب عليه بالاستقراض مثل المقبوض ، والمقبوض فلوس هي ثمن ، وبعد الكساد يفوت صفة الثمنية بدليل مسألة البيع فيتحقق عجزه عن رد مثل ما التزم [ ص: 30 ] فيلزمه قيمته كما لو استقرض شيئا من ذوات الأمثال ، فانقطع المثل عن أيدي الناس ، بخلاف ما إذا غلت ، أو رخصت ; لأن صفة الثمنية لا تنعدم بذلك ، ولكن تتغير بتغير رغائب الناس فيها ، وذلك غير معتبر ، كما في البيع وأبو حنيفة يقول : الواجب في ذمته مثل ما قبض من الفلوس ، وهو قادر على تسليمه ، فلا يلزمه رد شيء كما إذا غلت ، أو رخصت ، وهذا ; لأن جواز الاستقراض في الفلوس لم يكن باعتبار صفة الثمنية بل لكونها من ذوات الأمثال ، ألا ترى أن الاستقراض جائز في كل مكيل ، أو موزون أو عددي متقارب كالجوز ، والبيض ، وبالكساد لم يخرج من أن يكون من ذوات الأمثال ، بخلاف البيع فقد بينا ، أن دخولها في العقد هناك باعتبار صفة الثمنية ، وقد فات ذلك بالكساد . يوضحه : أن بدل القرض في الحكم كأنه عين المقبوض ; إذ لو لم يجعل كذلك كان مبادلة الشيء بجنسه نسيئة ، وذلك لا يجوز ، فيصير من هذا الوجه غصب منه فلوسا فكسدت ، وهناك برئ برد عينها ، فهنا أيضا يبرأ برد مثلها ، ثم عند أبي يوسف : إذا وجبت القيمة فإنما تعتبر قيمتها من الفضة من وقت القبض ، وعند محمد ، إذا وجبت القيمة فإنما يعتبر قيمتها بآخر يوم كانت فيه رائجة فكسدت ، وهذا بناء على ما إذا أتلف شيئا من ذوات الأمثال ، فانقطع المثل عن أيدي الناس فهناك عن أبي يوسف يعتبر قيمته وقت الإتلاف ، وعند محمد بآخر يوم كان موجودا فيه فانقطع ، وقد بينا هذا في كتاب الغصب .

التالي السابق


الخدمات العلمية