الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ولا تجوز ) المسابقة ( بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام للرجال ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر } رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه [ ص: 49 ] أو نصل " وإسناده حسن واختصت هذه الثلاثة بأخذ العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعليمها وإحكامها وذكر ابن عبد البر : تحريم الرهان في غير الثلاثة إجماعا .

                                                                                                                      وقوله " للرجال " أخرج النساء لأنهن لسن مأمورات بالجهاد ( بشروط خمسة ) متعلق بتجوز ( أحدها : تعيين المركوبين بالرؤية ) سواء كانا اثنين أو جماعتين ( وتساويهما في ابتداء العدو وانتهائه ، وتعين الرماة سواء كانا اثنين أو جماعتين ) لأن المقصود في المسابقة معرفة سرعة عدو المركوبين اللذين يسابق عليهما .

                                                                                                                      وفي المناضلة ، معرفة حذق الرماة ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية ، لأن المقصود معرفة عدو مركوب بعينه ، ومعرفة حذق رام بعينه لا معرفة عدو مركوب في الجملة أو حذق رام في الجملة .

                                                                                                                      فلو عقد اثنان مسابقة على خيل غير معينة أو مناضلة ومع كل منهما نفر غير معين لم يجز ( ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين ولا السهام ) لأن الغرض معرفة عدو الفرس ، وحذق الرامي ، دون الراكب والقوس والسهام لأن آلة المقصود منها ، فلا يشترط تعيينها كالسرج .

                                                                                                                      ( ولو عينها لم تعين ) لما تقدم ( وكل ما تعين لا يجوز إبداله ، كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز إبداله لعذر وغيره ) فإن شرط أن لا يرمى بغير هذا القوس أو بغير هذا السهم ، أو لا يركب غير هذا الراكب فهو فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد .

                                                                                                                      الشرط ( الثاني : أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد ) لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين ( فلا تصح ) المسابقة ( بين فرس عربي وهجين ) وهو ما أبوه فقط عربي .

                                                                                                                      ( ولا ) المناضلة ( بين قوس عربية وفارسية ) والعربية قوس النبل والفارسية قوس النشاب قاله الأزهري ( ولا يكره الرمي بالقوس الفارسية ) ولا المسابقة بها .

                                                                                                                      وقال أبو بكر : يكره الرمي بها لما روى ابن ماجه { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع رجل قوسا فارسية ، فقال : ألقها فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية ، وبرماح القنا فبها يؤيد الله هذا الدين ، وبها يمكن الله لكم في الأرض } ورواه الأثرم والجواب أنه يحتمل أنه لعنها لحمل العجم لها في ذلك العصر قبل أن يسلموا ومنع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها الشرط ( الثالث : تحديد المسافة والغاية ) بأن يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيها لأن الغرض معرفة الأسبق ، ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية لأن أحدهما قد يكون مقصرا في ابتداء عدوه سريعا في آخره وبالعكس .

                                                                                                                      ( و ) [ ص: 50 ] تحديد ( مدى الرمي بما جرت به العادة ) لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد ( ويعرف ذلك ) أي مدى الرمي ( بالمشاهدة ) نحو من هنا إلى هناك ( أو بالذراع نحو : مائة ذراع أو مائتي ذراع وما لم تجر به عادة ) .

                                                                                                                      وهو ما تتعذر الإصابة فيه غالبا ( وهو ما زاد في الرمي على ثلاثمائة ذراع ، فلا يصح ) لأنه يفوت به الغرض المقصود بالرمي قيل : إنه ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني .

                                                                                                                      ( ولا يصح تناضلهما أن السبق لا يعدوهما رميا ) لعدم تحديد الغاية الشرط ( الرابع : كون العوض معلوما ، إما بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة ) لأنه مال في عقد فاشترط العلم به كسائر العقود .

                                                                                                                      والمراد بمعرفته بالقدر إذا كان بالبلد نقد واحد أو أغلب ، وإلا لم يكف ذكر القدر بل لا بد من وصفه ( ويجوز أن يكون ) العوض ( حالا ومؤجلا ) و ( أن يكون بعضه حالا وبعضه مؤجلا ) كالثمن والصداق ( ويشترط أن يكون ) العوض ( مباحا ) كالصداق والبيع فلا تصح على خمر ونحوه ( وهو ) أي بذل العوض المذكور ( تمليك ) للسابق ( بشرط سبقه ) فلهذا قال في الانتصار : في شركة العنان القياس : لا يصح انتهى قلت : في كلامهم أنه جعالة ، فليس من قبيل التمليك المعلق على شرط محض الشرط ( الخامس : الخروج عن شبه القمار ) لأن القمار محرم فشبهه مثله ، والقمار بكسر القاف مصدر قامره فقمره ، إذا راهنه فغلبه ( بأن لا يخرج جميعهم ) لأنه إذا خرج كل واحد منهم فهو قمار لأنه لا يخلو ، إما أن يغنم أو يغرم .

                                                                                                                      ومن لم يخرج سالما من الغرم ( فإن كان الجعل من الإمام من ماله أو من بيت المال ) جاز لأن في ذلك مصلحة وحثا على تعليم الجهاد ونفعا للمسلمين ( أو ) كان الجعل ( من غيرهما أو من أحدهما ) وحده لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فمن أحدهما أولى ، وكذا لو كانوا ثلاثة ، فأخرج اثنان منهم ، أو أربعة فأخرج ثلاثة منهم ونحوه على أن من سبق أخذه جاز .

                                                                                                                      فإن جاءا معا فلا شيء لهما لأنه لا سابق فيهما .

                                                                                                                      ( وإن سبق المخرج ) للجعل ( أحرز سيفه ) بفتح الباء أي ما أخرجه ( ولم يأخذ ) السابق ( من الآخر ) المسبوق ( شيئا ) لأنه إن أخذ منه شيئا كان قمارا ( وإن سبق من لم يخرج أحرز سبق صاحبه ) فملكه وكان كسائر ماله لأنه عوض في الجعالة ، فملك فيها كالعوض المجعول في رد الضالة فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضى به عليه .

                                                                                                                      ويجبر عليه إن كان موسرا ، وإن أفلس ضرب به مع الغرماء ( وإن أخرجا ) أي المتسابقان ( معا لم يجز وكان قمارا لأن كل واحد منهما لا يخلو من أن يغنم أو [ ص: 51 ] يغرم وسواء كان ما أخرجاه متساويا أو متفاوتا ، مثل إن أخرج أحدهما عشرة ، و ) أخرج ( الآخر خمسة إلا بمحلل لا يخرج شيئا ) لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارا ، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار } رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن السبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم ، وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارا ، لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو من ذلك .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية