الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 111 ] ثم إن الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة : كسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن خزيمة ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي ، وغيرها منصوصا على صحته ، ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح . واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما ، وهو متساهل ، فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه ، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم ابن حبان .

        التالي السابق


        ( ثم إن الزيادة في الصحيح ) عليهما ( تعرف من ) كتب ( السنن المعتمدة كسنن أبي داود ، والترمذي ، والنسائي ) وابن خزيمة ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي [ ص: 112 ] وغيرها منصوصا على صحته ) فيها ( ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح ) كابن خزيمة وأصحاب المستخرجات .

        قال العراقي : وكذا لو نص على صحته أحد منهم ، ونقل عنه ذلك بإسناد صحيح كما في سؤالات أحمد بن حنبل ، وسؤالات ابن معين وغيرهما .

        قال : وإنما أهمله ابن الصلاح بناء على اختياره أنه ليس لأحد أن يصحح في هذه الأعصار ، فلا يكفي وجود التصحيح بإسناد صحيح ، كما لا يكفي وجود أصل الحديث بإسناد صحيح .

        واعتنى الحافظ أبو عبد الله ( الحاكم ) في المستدرك ( بضبط الزائد عليهما ) مما هو على شرطهما أو شرط أحدهما ، أو صحيح ، وإن لم يوجد شرط أحدهما ، معبرا عن الأول بقوله : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، أو على شرط البخاري أو مسلم ، وعن الثاني بقوله : هذا حديث صحيح الإسناد ، وربما أورد فيه ما هو في الصحيحين ، وربما أورد فيه ما لم يصح عنده منبها على ذلك ، ( وهو متساهل ) في التصحيح .



        قال المصنف في شرح المهذب : اتفق الحفاظ على أن تلميذه البيهقي أشد تحريا منه ، وقد لخص الذهبي مستدركه ، وتعقب كثيرا منه بالضعف والنكارة ، وجمع جزءا فيه الأحاديث التي فيه وهي موضوعة ، فذكر نحو مائة حديث .

        [ ص: 113 ] وقال أبو سعيد الماليني : طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره ، فلم أر فيه حديثا على شرطهما . قال الذهبي : وهذا إسراف وغلو من الماليني ، وإلا ففيه جملة وافرة على شرطهما ، وجملة كثيرة على شرط أحدهما ، لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب ، وفيه نحو الربع مما صح سنده ، وفيه بعض الشيء ، أو له علة ، وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير أو واهيات لا تصح ، وفي بعض ذلك موضوعات .

        قال شيخ الإسلام : وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية ، قال : وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك : إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ، قال : وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة ، فمن أكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمةالبيهقي ، وهو إذا ساق عنه من غير المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة ، قال : والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة إلى ما بعده .

        ( فما صححه ولم نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحا ولا تضعيفا حكمنا بأنه حسن ، إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه ) .

        قال البدر بن جماعة : والصواب أنه يتتبع ويحكم عليه بما يليق بحاله من الحسن أو الصحة أو الضعف .

        [ ص: 114 ] ووافقه العراقي وقال : ( إن حكمه عليه بالحسن فقط تحكم ) ، قال : إلا أن ابن الصلاح قال ذلك بناء على رأيه : أنه قد انقطع التصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصححه ؛ فلهذا قطع النظر عن الكشف عليه .

        والعجب من المصنف كيف وافقه هنا مع مخالفته له في المسألة المبني عليها كما سيأتي ، وقوله فما صححه ، احتراز مما خرجه في الكتاب ولم يصرح بتصحيحه فلا يعتمد عليه .

        ( ويقاربه ) أي صحيح الحاكم ( في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان ) قيل : إن هذا يفهم ترجيح كتاب الحاكم عليه ، والواقع خلاف ذلك ، قال العراقي : وليس كذلك ، وإنما المراد أنه يقاربه في التساهل ، فالحاكم أشد تساهلا منه ؛ قال الحازمي : ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم .

        قيل : وما ذكر من تساهل ابن حبان ليس بصحيح ؛ فإن غايته أنه يسمي الحسن صحيحا ، فإن كانت نسبته إلى التساهل باعتبار وجدان الحسن في كتابه فهي مشاحة في الاصطلاح ، وإن كانت باعتبار خفة شروطه ، فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس ، سمع من شيخه وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع ، وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل وكان كل من شيخه والراوي [ ص: 115 ] عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة .

        وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله ، ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم ثقات من لم يعرف حاله ، ولا اعتراض عليه فإنه لا مشاحة في ذلك ، وهذا دون شرط الحاكم ، حيث شرط أن يخرج عن رواة خرج لمثلهم الشيخان في الصحيح ، فالحاصل : أن ابن حبان وفى بالتزام شروطه ، ولم يوف الحاكم .



        [ فوائد ]

        الأولى : صحيح ابن حبان ، ترتيبه مخترع ليس على الأبواب ولا على المسانيد ؛ ولهذا سماه : " التقاسيم والأنواع " وسببه أنه كان عارفا بالكلام والنحو والفلسفة ؛ ولهذا تكلم فيه ونسب إلى الزندقة ، وكادوا يحكمون بقتله ، ثم نفي من سجستان إلى سمرقند ، والكشف من كتابه عسر جدا ، وقد رتبه بعض المتأخرين على أبواب ، وعمل له الحافظ أبو الفضل العراقي أطرافا وجرد الحافظ أبو الحسن الهيثمي زوائده على الصحيحين في مجلد .



        الثانية : صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان ، لشدة تحريه ، حتى أنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ، فيقول : إن صح الخبر ، أو إن ثبت كذا ونحو ذلك ، ومما صنف في الصحيح أيضا - غير المستخرجات الآتي ذكرها - السنن الصحاح لسعيد بن السكن .



        الثالثة : صرح الخطيب وغيره بأن الموطأ مقدم على كل كتاب من الجوامع والمسانيد ، فعلى هذا هو بعد صحيح الحاكم ، وهو روايات كثيرة ، وأكبرها رواية القعنبي .

        [ ص: 116 ] وقال العلائي : روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين رواياتهم اختلاف من تقديم وتأخير وزيادة ونقص ، ومن أكبرها وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب ، قال ابن حزم : في موطأ أبي مصعب هذا زيادة على سائر الموطآت نحو مائة حديث .

        وأما ابن حزم فإنه قال : أولى الكتب الصحيحان ، ثم صحيح ابن السكن ، والمنتقى لابن الجارود ، والمنتقى لقاسم بن أصبغ ، ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود ، وكتاب النسائي ، ومصنف قاسم بن أصبغ ، ومصنف الطحاوي ، ومسانيد أحمد والبزار وابني أبي شيبة أبي بكر وعثمان ، وابن راهويه والطيالسي والحسن بن سفيان والمسندي ، وابن سنجر ، ويعقوب بن شيبة ، وعلي بن المديني ، وابن أبي غرزة وما جرى مجراها التي أفردت لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم صرفا .

        ثم بعدها الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره ، ثم ما كان فيه الصحيح فهو أجل ، مثل مصنف عبد الرزاق ، ومصنف ابن أبي شيبة ، ومصنف بقي بن مخلد ، وكتاب محمد بن نصر المروزي ، وكتاب ابن المنذر ، ثم مصنف حماد بن سلمة ، ومصنف سعيد بن منصور ، ومصنف وكيع ، ومصنف الفريابي ، وموطأ مالك ، وموطأ ابن أبي ذئب ، وموطأ ابن وهب ، ومسائل ابن حنبل ، وفقه أبي عبيد ، وفقه أبي ثور ، وما كان من هذا النمط مشهورا كحديث شعبة وسفيان والليث والأوزاعي والحميدي وابن مهدي ومسدد وما جرى مجراها ، فهذه طبقة موطأ مالك ، بعضها أجمع للصحيح منه ، وبعضها مثله وبعضها دونه .

        [ ص: 117 ] ولقد أحصيت ما في حديث شعبة من الصحيح فوجدته ثمانمائة حديث ونيفا مسندة ومرسلا يزيد على المائتين ، وأحصيت ما في موطأ مالك ، وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفا مسندا وثلاثمائة ونيفا مرسلا ، وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها ، وفيها أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء ، انتهى ملخصا من كتابه مراتب الديانة .




        الخدمات العلمية