الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية السادسة والعشرون قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : في شرح ألفاظها : الصبر : عبارة عن حبس النفس عن شهواتها ، والمصابرة : إدامة مخالفتها في ذلك ; فهي تدعو وهو ينزع . والمرابطة : العقد على الشيء حتى لا يبخل فيعود إلى ما كان صبر عنه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : في الأقوال : فيها ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : اصبروا على دينكم ، وصابروا وعدي لكم ، ورابطوا أعداءكم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : اصبروا على الجهاد ، وصابروا العدو ، ورابطوا الخيل .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : مثله إلا قوله : رابطوا فإنه أراد بذلك رابطوا الصلوات .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : في حقيقة ذلك : وهو أن الصبر : حبس النفس عن مكروهها المختص بها والمصابرة : حمل مكروه يكون بها وبغيرها ; الأول كالمرض ، والثاني كالجهاد . [ ص: 400 ] والرباط : حمل النفس على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة ، ومن أعظمه ارتباط الخيل في سبيل الله ، وارتباط النفس على الصلوات ، على ما جاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الخيل ثلاثة : لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر ; فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة ، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات . ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات فهي له أجر } . وذكر الحديث . وقال عليه السلام : { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ثلاثا } . فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أولاه وأفضله في نوعي الطاعة المتعدي بالمنفعة إلى الغير وهو الأفضل ، وإلزام المختص بالفاعل وهو دونه ، وبعد ذلك تتفاضل العقائد والأعمال بحسب متعلقاتها ، وليس ذلك من الأحكام فنفيض منه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية