الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو كثير ، قال ابن جني : وفي القرآن منه زهاء ألف موضع ، وأما أبو الحسن فلا يقيس عليه ، ثم رده بكثرة المجاز في اللغة ، وحذف المضاف مجاز .

انتهى .

وشرط المبرد في كتاب " ما اتفق لفظه واختلف معناه " لجوازه وجود دليل على المحذوف من عقل أو قرينة ، نحو : واسأل القرية أي : أهلها ، قال : ولا يجوز على هذا أن نقول : جاء زيد ، وأنت تريد غلام زيد ; لأن المجيء يكون له ، ولا دليل على المحذوف .

وقال الزمخشري في " الكشاف القديم " : لا يستقيم تقدير حذف المضاف في كل موضع ، ولا يقدم عليه إلا بدليل واضح وفي غير ملبس ، كقوله : واسأل القرية ( يوسف : 82 ) وجاء ربك ( الفجر : 22 ) وضعف بذلك قول من قدر في قوله : وهو خادعهم ( النساء : 142 ) أنه على حذف مضاف .

فإن قلت : كما لا يجوز مجيئه لا يجوز خداعه ; فحين جرك إلى تقدير المضاف امتناع مجيئه ، فهلا جرك إلى مثله امتناع خداعه .

[ ص: 218 ] قلت : يجوز في اعتقاد المنافقين تصور خداعه ; فكان الموضع ملبسا ، فلا يقدر .

انتهى .

فمنه قوله تعالى : لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( الأحزاب : 21 ) أي : رحمة الله ، وقوله : يخافون ربهم ( النحل : 50 ) أي : عذاب ربهم ، وقد ظهر من هذا أن المضافان من قوله تعالى : ويرجون رحمته ويخافون عذابه ( الإسراء : 57 ) .

حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ( الأنبياء : 96 ) أي : سد يأجوج ومأجوج .

واشتعل الرأس شيبا أي : شعر الرأس .

ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( الإسراء : 110 ) أي : بقراءة صلاتك ، ولا تخافت بقراءتها .

ولكن البر من آمن بالله ( البقرة : 177 ) أي : بر من آمن بالله .

فلما أتاها نودي ( طه : 11 ) أي : ناحيتها ، والجهة التي هو فيها .

هل يسمعونكم إذ تدعون ( الشعراء : 72 ) أي : هل يسمعون دعاءكم ; بدليل الآية الأخرى .

إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( فاطر : 14 ) .

على خوف من فرعون وملئهم ( يونس : 83 ) أي : من آل فرعون .

إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ( الإسراء : 75 ) أي : ضعف عذابهما ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( البقرة : 171 ) أي : ومثل واعظ الذين كفروا كناعق الأنعام .

وأزواجه أمهاتهم ( الأحزاب : 6 ) أي : مثل أمهاتهم .

وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( الواقعة : 82 ) أي : شكر رزقكم ، وقيل : تجعلون التكذيب شكر رزقكم .

[ ص: 219 ] وقوله : وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( آل عمران : 194 ) أي : على ألسنة رسلك .

وقوله : وتخونوا أماناتكم ( الأنفال : 27 ) ، أي : ذوي أماناتكم ، كالمودع والمعير والموكل والشريك ، ومن يدك في ماله أمانة لا يد ضمان ، ويجوز أن لا حذف فيه ; لأن خنت من باب أعطيت ، فيتعدى إلى مفعولين ويقتصر على أحدهما .

وقوله : وإلى مدين أخاهم شعيبا ( هود : 84 ) أي : أهل مدين ; بدليل قوله : وما كنت ثاويا في أهل مدين ( القصص : 45 ) .

واسأل القرية التي كنا فيها والعير ( يوسف : 82 ) ، أي : أهل القرية ، وأهل العير .

وقيل : فيه وجهان : أحدهما : أن القرية يراد بها نفس الجماعة .

والثاني : أن المراد سؤال الأبنية نفسها ; لأن المخاطب نبي صاحب معجزة .

الحج أشهر معلومات ( البقرة : 197 ) ويجوز أن يقدر : الحج حج أشهر معلومات .

وجاء ربك والملك ( الفجر : 22 ) أي : أمر ربك .

وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ( البقرة : 93 ) أي : حب العجل ، قال الراغب : إنه على بابه فإن في ذكر العجل تنبيها على أنه لفرط محبتهم صار صورة العجل في قلوبهم لا تمحي .

وقوله : ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ( الفجر : 6 - 7 ) فإرم اسم لموضع ، وهو في موضع جر ، إلا أنه منع الصرف للعلمية والتأنيث ، أما للعلمية فواضح ، وأما التأنيث فلقوله : ذات العماد ( الفجر : 7 ) .

وقوله : قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ( المائدة : 102 ) أي : بسؤالها ; [ ص: 220 ] فحذف المضاف وقدرت بالمصدر المحذوف الإضافة إلى المفعول به ، ولم يكفروا بالسؤال ، إنما كفروا بربهم المسئول عنه ، فلما كان السؤال سببا للكفر فيما سألوا عنه نسب الكفر إليه على الاتساع .

وقيل : الهاء عائدة على غير ما تقدم لقوة هذا الكلام ; بدليل أن الفعل تعدى بنفسه والأول بغيره ، وإنما هذه الآية كناية عما سأل قوم موسى وقوم عيسى من الآيات ، ثم كفروا ، فمعنى السؤال الأول والثاني الاستفهام ، ومعنى الثالث طلب الشيء .

وقوله : حرمت عليكم الميتة ( المائدة : 3 ) أي : تناولها ; لأن الأحكام لا تتعلق بالأجرام إلا بتأويل الأفعال .

وقيل : إن الميتة يعبر بها عن تناولها فلا حذف ، ولو كان ثم حذف لم يؤنث الفعل ، ولأن المركب إنما يحذف إذا كان للكلام دلالة غير الدلالة الإفرادية ، والمفهوم من هذا التركيب التناول من غير تقدير ; فيكون اللفظ موضوعا له ، والمشهور في الأصول أنه من محال الحذف .

وقوله تعالى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( العنكبوت : 9 ) فهاهنا إضمار لأن قائلا لو قال : " من عمل صالحا جعلته في جملة الصالحين " لم يكن فائدة ، وإنما المعنى : لندخلنهم في زمرة الصالحين .

وقوله : تجعلونه قراطيس الأنعام : 91 ) أي : ذا قراطيس ، أو مكتوبا في قراطيس تبدونها أي : تبدون مكتوبها .

وقوله : وتخفون كثيرا ( الأنعام : 91 ) ليس المعنى تخفونها إخفاء كثيرا ، ولكن التقدير تخفون كثيرا من إنكار ذي القراطيس ، أي : يكتمونه فلا يظهرونه ، كما قال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ( البقرة : 159 ) .

[ ص: 221 ] ويدل له قوله : قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( المائدة : 15 ) .

وقوله : فسالت أودية بقدرها ( الرعد : 17 ) أي : بقدر مياهها .

وقوله : ولقد همت به وهم بها ( يوسف : 24 ) أي : هم بدفعها ، أي : عن نفسه في هذا التأويل بتنزيه يوسف - صلى الله عليه وسلم - عما لا يليق به ; لأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الصغائر والكبائر ، وعليه فينبغي الوقف على قوله : ولقد همت به ( يوسف : 24 ) .

تنبيه اعلم أن المضاف إذا علم جاز حذفه مع الالتفات إليه ; فيعامل معاملة الملفوظ به ; من عود الضمير عليه وغير ذلك ، ومع اطراحه يصير الحكم في عود الضمير للقائم مقامه .

فمثال استهلاك حكمه وتناسي أمره قوله تعالى : واسأل القرية ( يوسف : 82 ) إذ لو راعى المحذوف لجر القرية وجوزوا أيضا مراعاة المحذوف بدليل قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج ( النور : 40 ) فإن الضمير في يغشاه عائد على المضاف المحذوف بتقدير : أو كذي ظلمات .

وقوله : أو كصيب ( البقرة : 19 ) أي : كمثل ذوي صيب ; ولهذا رجع الضمير إليه مجموعا في قوله تعالى : يجعلون أصابعهم في آذانهم ( البقرة : 19 ) ولو لم يراع لأفرده أيضا .

[ ص: 222 ] وقوله : كذبت قوم نوح ( الشعراء : 105 ) ، ولولا ذلك لحذفت التاء ; لأن القوم مذكر ، ومنه قول حسان رضي الله عنه :

يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل

بالياء ، أي : ماء بردى ، ولو راعى المذكور لأتى بالتاء .

قالوا : وقد جاء في آية واحدة مراعاة التأنيث والمحذوف ، وهي قوله تعالى : وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ( الأعراف : 4 ) أنث الضمير في أهلكناها و فجاءها ; لإعادتهما على القرية المؤنثة ، وهي الثابتة ، ثم قال : أو هم قائلون فأتى بضمير من يعقل حملا على " أهلها " المحذوف .

وفي تأويل إعادة الضمير على التأنيث وجهان : أحدهما : أنه لما قام مقام المحذوف صارت المعاملة معه .

والثاني : أن يقدر في الثاني حذف المضاف ، كما قدر في الأول ، فإذا قلت : سألت القرية وضربتها ، فمعناه : وضربت أهلها ، فحذف المضاف كما حذف من الأول ; إذ وجه الجواز قائم .

وقيل : هنا مضاف محذوف ، والمعنى : أهلكنا أهلها وبياتا حال منهم أي : مبيتين و أو هم قائلون ( الأعراف : 4 ) جملة معطوفة عليها ، ومحلها النصب .

وأنكر الشلوبين مراعاة المحذوف ، وأول ما سبق على أنه من باب الحمل على المعنى ، ونقله عن المحققين ; لأن القوم جماعة ولهذا يؤنث تأنيث الجمع ، نحو : هي الرجال ، وجمع [ ص: 223 ] التكسير عندهم مؤنث ، وأسماء الجموع تجري مجراها ، وعلى هذا جاء التأنيث ، لا على الحذف ، وكذا القول في البيت .

وفي قراءة بعضهم : ( والله يريد الآخرة ) ( الأنفال : 67 ) قدروه " عرض الآخرة " والأحسن أن يقدر : " ثواب الآخرة " ; لأن العرض لا يبقى بخلاف الثواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية