الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( سأرهقه صعودا ) أي سأكلفه صعودا ، وفي الصعود قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه مثل لما يلقى من العذاب الشاق الصعب الذي لا يطاق مثل قوله : ( يسلكه عذابا صعدا ) [ الجن : 17] وصعود من قولهم : عقبة صعود وكدود شاقة المصعد .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن صعودا اسم لعقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت ، وعنه عليه الصلاة والسلام : " الصعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي كذلك فيه أبدا " .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إنه تعالى حكى كيفية عناده فقال : ( إنه فكر وقدر )

                                                                                                                                                                                                                                            يقال : فكر في الأمر وتفكر إذا نظر فيه وتدبر ، ثم لما تفكر رتب في قلبه كلاما وهيأه ، وهو المراد من قوله : ( وقدر ) . [ ص: 177 ] ثم قال تعالى : ( فقتل كيف قدر ) وهذا إنما يذكر عند التعجب والاستعظام ، ومثله قولهم : قتله الله ما أشجعه ، وأخزاه الله ما أشعره ، ومعناه أنه قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك ، وإذا عرفت ذلك فنقول : إنه يحتمل ههنا وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أنه تعجيب من قوة خاطره ، يعني أنه لا يمكن القدح في أمر محمد عليه السلام بشبهة أعظم ولا أقوى مما ذكره هذا القائل .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : الثناء عليه على طريقة الاستهزاء ، يعني أن هذا الذي ذكره في غاية الركاكة والسقوط .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ثم قتل كيف قدر ) والمقصود من كلمة " ثم " ههنا الدلالة على أن الدعاء عليه في الكرة الثانية أبلغ من الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ثم نظر ) والمعنى أنه أولا فكر ، وثانيا قدر ، وثالثا نظر في ذلك المقدر ، فالنظر السابق للاستخراج ، والنظر اللاحق للتقدير ، وهذا هو الاحتياط . فهذه المراتب الثلاثة متعلقة بأحوال قلبه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية