الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ترجيع ) [ ص: 387 ] فإنه مكروه ملتقى ( ولا لحن فيه ) أي تغني بغير كلماته فإنه لا يحل فعله وسماعه كالتغني بالقرآن وبلا تغيير حسن ، وقيل لا بأس به في الحيعلتين ( ويترسل فيه ) بسكتة بين كل كلمتين . ويكره تركه ، وتندب إعادته ( ويلتفت فيه ) وكذا فيها مطلقا ، وقيل إن المحل متسعا ( يمينا ويسارا ) فقط ; لئلا يستدبر القبلة ( بصلاة وفلاح ) ولو وحده أو لمولود ; لأنه سنة الأذان مطلقا ( ويستدير في المنارة ) لو متسعة ويخرج رأسه منها ( ويقول ) ندبا [ ص: 388 ] ( بعد فلاح أذان الفجر : الصلاة خير من النوم مرتين ) لأنه وقت نوم ( ويجعل ) ندبا ( أصبعيه في ) صماخ ( أذنيه ) فأذانه بدونه حسن ، وبه أحسن

التالي السابق


( قوله : ولا ترجيع ) الترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين ثم يرجع فيرفعه بهما لاتفاق الروايات على أن بلالا لم يكن يرجع ، وما قيل إنه رجع لم يصح ; ولأنه ليس في أذان الملك النازل بجميع طرقه ، ولما في أبي داود عن ابن عمر قال ( { إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة } ) الحديث ، ورواه ابن خزيمة وابن حبان . قال ابن الجوزي وإسناده صحيح ، وما روي من الترجيع في أذان أبي محذورة يعارضه ما رواه الطبراني عنه أنه قال { ألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا : الله أكبر [ ص: 387 ] الله أكبر } إلخ " ولم يذكر ترجيعا ، وبقي ما قدمناه بلا معارض ، وتمامه في الفتح وغيره .

( قوله : فإنه مكروه ملتقى ) ومثله في القهستاني ، خلافا لما في البحر من أن ظاهر كلامهم أنه مباح لا سنة ولا مكروه . قال في النهر : ويظهر أنه خلاف الأولى . وأما الترجيع بمعنى التغني فلا يحل فيه ا هـ وحينئذ فالكراهة المذكورة تنزيهية .

( قوله : أي تغني ) لا يجوز أن يكون مبنيا على الفتح ; لأن ما بعد أي التفسيرية عطف بيان ، وعطف البيان لا يجوز بناؤه على الفتح تركيبا مع اسم لا ، بل يجوز فيه الرفع اتباعا لمحل لا مع اسمها والنصب اتباعا لمحل اسمها ، لكن يمنع هنا من النصب مانع وهو عدم رسمه بالألف ، فتعين الرفع مع ما فيه من إثبات الياء الذي هو مرجوح ، فإن المنقوص المجرد عن أل يترجح حذف يائه في الرسم كالوقف إذا كان مرفوعا أو مجرورا ، وفي المحلى بها بالعكس . ا هـ . ح .

قلت : ويمنع أيضا من بنائه على الفتح وجود الفاصل ، وهو أي ، وقد عللوا امتناع الفتح في عطف النسق في نحو : لا رجل وامرأة بوجود الفاصل وهو الواو فافهم .

( قوله : بغير كلماته ) أي بزيادة حركة أو حرف أو مد أو غيرها في الأوائل والأواخر قهستاني .

( قوله : وبلا تغيير حسن ) أي والتغني بلا تغيير حسن ، فإن تحسين الصوت مطلوب ، ولا تلازم بينهما بحر وفتح .

( قوله : وقيل ) أي قال الحلواني : لا بأس بإدخال المد في الحيعلتين ; لأنهما غير ذكر ، وتعبيره بلا بأس يدل على أن الأولى عدمه .

( قوله : ويترسل ) أي يتمهل .

( قوله : بسكتة ) أي تسع الإجابة مدني عن منلا علي القاري ، وهذه السكتة بعد كل تكبيرتين لا بينهما كما أفاده في الإمداد أخذا من الحديث ، وبه صرح في التتارخانية .

( قوله : وتندب إعادته ) أي لو ترك الترسل .

( قوله : ويلتفت ) أي يحول وجهه لا صدره قهستاني ، ولا قدميه نهر .

( قوله : وكذا فيها مطلقا ) أي في الإقامة سواء كان المحل متسعا أو لا .

( قوله : لئلا يستدبر ) تعليل لقوله فقط : أي انته عن القول بالالتفات خلفا لئلا يستدبر المؤذن أو المقيم القبلة ح .

( قوله : بصلاة وفلاح ) لف ونشر مرتب ، يعني يلتفت فيهما يمينا بالصلاة ويسارا بالفلاح ، وهو الأصح كما في القهستاني عن المنية ، وهو الصحيح كما في البحر والتبيين . وقال مشايخ مرو : يمنة ويسرة في كل ، كذا في القهستاني ح . قال في الفتح : والثاني أوجه . ورده الرملي بأنه خلاف الصحيح المنقول عن السلف .

( قوله : ولو وحده إلخ ) أشار به إلى رد قول الحلواني : إنه لا يلتفت لعدم الحاجة إليه ح . وفي البحر عن السراج أنه من سنن الأذان ، فلا يخل المنفرد بشيء منها ، حتى قالوا في الذي يؤذن للمولود ينبغي أن يحول . ( قوله مطلقا ) للمنفرد وغيره والمولود وغيره ط .

( قوله : ويستدير في المنارة ) يعني إن لم يتم الإعلام بتحويل وجهه مع ثبات قدميه ، ولم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مئذنة بحر . مطلب في أول من بنى المنائر للأذان

قلت : وفي شرح الشيخ إسماعيل عن الأوائل للسيوطي : إن أول من رقى منارة مصر للأذان شرحبيل بن عامر المرادي وبنى سلمة المنائر للأذان بأمر معاوية ولم تكن قبل ذلك . وقال ابن سعد بالسند إلى أم زيد بن ثابت كان بيتي أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره .

( قوله : ويخرج رأسه منها ) أي من [ ص: 388 ] كوتها اليمنى آتيا بالصلاة ، ثم يذهب ويخرج رأسه من الكوة اليسرى آتيا بالفلاح درر وغيرها ، وهذا إذا كانت بكوات ، أما منارات الروم ونحوها فالجانب كالكوة إسماعيل .

( قوله : بعد فلاح إلخ ) فيه رد على من يقول إن محله بعد الأذان بتمامه ، وهو اختيار الفضلي بحر عن المستصفى .

( قوله : الصلاة خير من النوم ) إنما كان النوم مشاركا للصلاة في أصل الخيرية ; لأنه قد يكون عبادة ، كما إذا كان وسيلة إلى تحصيل طاعة أو ترك معصية ، أو لأن النوم راحة في الدنيا والصلاة راحة في الآخرة ، فتكون أفضل بحر .

( قوله : لأنه وقت نوم ) أي فخص بزيادة إعلام دون العشاء ، فإن النوم قبلها مكروه ونادر ط .

( قوله : ويجعل أصبعيه إلخ ) لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال رضي الله عنه " { اجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك } " وإن جعل يديه على أذنيه فحسن ; لأن أبا محذورة رضي الله عنه ضم أصابعه الأربعة ووضعها على أذنيه وكذا إحدى يديه على ما روي عن الإمام إمداد وقهستاني عن التحفة .

( قوله : فأذانه إلخ ) تفريع على قوله ندبا . قال في البحر : والأمر أي في الحديث المذكور للندب بقرينة التعليل ، فلذا لو لم يفعل كان حسنا .

فإن قيل : ترك السنة فكيف يكون حسنا ؟ . قلنا : إن الأذان معه أحسن ، فإذا تركه بقي الأذان حسنا كذا في الكافي ا هـ فافهم




الخدمات العلمية