الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : وهو الأولى أن القوم استقبلوا ذلك العدد ، فقال تعالى : ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) فهب أن هؤلاء تسعة عشر إلا أن لكل واحد منهم من الأعوان والجنود ما لا يعلم عددهم إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو ، فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين ، ولكن له في هذا العدد حكمة لا يعلمها الخلق وهو جل جلاله يعلمها .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنه لا حاجة بالله سبحانه في تعذيب الكفار والفساق إلى هؤلاء الخزنة ، فإنه هو الذي يعذبهم في الحقيقة ، وهو الذي يخلق الآلام فيهم ، ولو أنه تعالى قلب شعرة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة ، فلا يلزم من تقليل عدد الخزنة قلة العذاب ، فجنود الله غير متناهية لأن مقدوراته غير متناهية .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وما هي إلا ذكرى للبشر ) الضمير في قوله ( وما هي ) إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه عائد إلى " سقر " ، والمعنى : وما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه عائد إلى هذه الآيات المشتملة على هذه المتشابهات ، وهي ذكرى لجميع العالمين ، وإن كان المنتفع بها ليس إلا أهل الإيمان .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( كلا ) وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه إنكار بعد أن جعلها ذكرى ، أن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيرا .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنه ردع لقول أبي جهل وأصحابه : إنهم يقدرون على مقاومة خزنة النار .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : أنه ردع لهم عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( والقمر والليل إذ أدبر ) وفيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الفراء والزجاج : دبر وأدبر بمعنى واحد كقبل وأقبل ، ويدل على هذا قراءة من قرأ " إذا دبر " وروي أن مجاهدا سأل ابن عباس عن قوله " دبر " فسكت حتى إذا أدبر الليل قال : يا مجاهد هذا حين دبر الليل ، وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه [ ص: 184 ] القراءة ، ويقول : إنما يدبر ظهر البعير ، قال الواحدي : والقراءتان عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا ، وأنشد أبو علي :


                                                                                                                                                                                                                                            وأبى الذي ترك الملوك وجمعهم بصهاب هامدة كأمس الدابر



                                                                                                                                                                                                                                            القول الثاني : قال أبو عبيدة وابن قتيبة : دبر أي جاء بعد النهار ، يقال : دبرني أي جاء خلفي ، ودبر الليل أي جاء بعد النهار ، قال قطرب : فعلى هذا معنى إذا دبر إذا أقبل بعد مضي النهار .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية