الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا أي: بالغة في النصح، وصفت التوبة بذلك على الإسناد المجازي وهو وصف التائبين وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم فيأتوا بها على طريقتها وذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمين أشد الاغتمام لارتكابها عازمين على أنهم لا يعودون في قبيح من القبائح موطنين أنفسهم على ذلك بحيث لا يلويهم عنه صارف أصلا. [ ص: 269 ] عن علي رضي الله عنه أن التوبة يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تذيب نفسك في طاعة الله تعالى كما ربيتها في المعصية وأن تذيقها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية. وعن شهر بن حوشب أن لا يعود ولو حز بالسيف وأحرق بالنار، وقيل: نصوحا من نصاحة الثوب أي: توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك. وقيل: خالصة من قولهم: عسل ناصح إذا خلص من الشمع، ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي: تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل بمقتضياتها، وقرئ "توبا نصوحا"، وقرئ "نصوحا" وهو مصدر نصح فإن النصح والنصوح كالشكر والشكور أي: ذات النصح أو تنصح نصوحا أو توبوا لنصح أنفسكم على أنه مفعول له. عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ورود صيغة الإطماع للجري على سنن الكبرياء والإشعار بأنه تفضل والتوبة غير موجبة له وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء وإن بالغ في إقامة وظائف العبادة. يوم لا يخزي الله النبي ظرف لـ"يدخلكم". والذين آمنوا معه عطف على النبي وفيه تعريض بمن أخزاهم الله تعالى من أهل الكفر والفسوق واستحماد إلى المؤمنين على أنه عصمهم من مثل حالهم. وقيل: هو مبتدأ خبره قوله تعالى: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم أي: على الصراط وهو على الأول استئناف أو حال وكذا قوله تعالى: يقولون ...إلخ وعلى الثاني خبر آخر للموصول أي: يقولون إذا طفئ نور المنافقين. ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير وقيل: يدعون تقربا إلى الله مع تمام نورهم. وقيل: تفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا. وقيل: السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط وبعضهم كالريح وبعضهم حبوا وزحفا وأولئك الذين يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية