الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فهذا تقرير لما ذكرتموه من قولكم : "لا نسلم أن معتبرا حرم تأويلا يشهد العقل بصحته عند الحاجة إليه ، لعالم متبحر لا يرضى بأسر التقليد ، ولا يرى أن يستعمل في كشف الحقائق نور البصيرة الذي هو من أجل نعم الله على العبيد" .

وجوابه من وجوه :

أحدها : ما تكلمنا في تحريم جنس التأويل وجوازه شيئا ، وإنما تكلمنا في صحته وفساده ، فقلنا : "إذا بحث الإنسان وفحص وجد ما يقوله المتكلمون من التأويل الذي يخالفون به أهل [الحديث] باطلا ، وتيقن [أن] الحق مع أهل الحديث ظاهرا وباطنا" .

وسنبين إن شاء الله بالنقول المستفيضة أن الخلاف وقع في أعيان هل هي صحيحة أو فاسدة ، بل قد بينا في نفس تلك المناظرة [ ص: 92 ] فساد تأويل اليد بما ذكروه فيها من التأويل ، ولم نتعرض للتحريم ولا للتحليل . وإذا كان أول الكلام وأوسطه وآخره إنما هو في صحة التأويل المعين والمطلق وفساده ، فالكلام في التحريم نفيا وإثباتا كلام آخر ليس بوارد علينا . ولولا أنا في هذا المقام غرضنا بيان عدم ورود الأسولة علينا بالكلية لذكرنا نصوص المختلفين ، وإنما نؤخر ذلك إلى المقام الثاني إن شاء الله .

إن الأسولة تارة تكون موجهة واردة ، وتارة لا تكون كذلك ، والسؤال الوارد منه [ما] يوجب انقطاع المستدل ، ومنه ما لا يوجب انقطاعه ، إن أجاب عن ضبط حدود النظر والمناظرة هدي إن شاء [الله] إلى الهدى والسداد ، اللذين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا بمسألتهما من الله .

والغرض الضبط العلمي الديني ، لا الضبط العنادي الذي مضمونه الكلام بلا علم أو عدم قصد الحق . وأما الاصطلاح المحض فأنت فيه بالخيار ، ويجب أن تعرف حقيقة هذا النقل وتدين في قولهم : "الإسناد من الدين ، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء" . فإن كان النقل مشهورا -مثل أن يقال : مذهب أهل الحديث أن الله يرى في الآخرة ، والإيمان بالشفاعة ، أو جمهورهم ونحو ذلك- لم يطلب في مثل هذا الإسناد . فإن نقل : مذهب أهل الحديث بأن الله يرى هو الصحيح ، فقد تضمن هذا نقلا وحكما ، فيجوز أن يقال : لا نسلم أنه هو الصحيح ، وقد يقال أيضا : من أين علمتم؟ [ ص: 93 ] فالمستدل في الأدلة في خطاب أو كتاب إذا قال : مذهب فلان كذا ، لم يرد عليه لا منع ولا معارضتها ، وقد يعترض النقل بنقل آخر . وفي الحكم ورد عليه منع النقل ومعارضته بأن : من ذكر هذا؟ أو من حكاه؟ أو قد نقل فلان عنه بخلافه . لكن فرق بين منع النقل وبين منع الحكم وبين منع الدلالة ، فإن النقل لا يمنع منعا محضا إلا أن يكون المانع يعلم انتفاء ذلك المنقول ، مثل أن يعلم أن مذهب الشخص أو روايته بخلاف ذلك ، كمن قال : سمع مالك ابن عمر يقول كذا ، فيقول المعترض : ما سمع مالك منه شيئا . وأما إن كان صدقه ممكنا ، فإن غلب على الظن خيرته وعدالته اكتفي بذلك .

( آخر ما وجد ، والله أعلم . وليست كاملة ) . [ ص: 94 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية