الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5487 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : ثنا محمد بن المنهال ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سلمة بن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، عن مسلم بن يسار ، وذكر آخر حدثاه ، أو حدثنا قالا : جمع المنزل بين عبادة بن الصامت ومعاوية ، في كنيسة أو بيعة . فحدث عبادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البر بالبر ، ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ، ولا الملح بالملح ، إلا سواء بسواء ، عينا بعين " قال أحدهما ، ولم يقل الآخر .

                                                        قال عبادة : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيع الذهب بالفضة ، والبر بالشعير ، والشعير بالبر ، يدا بيد ، كيف شئنا
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : ففي هذه الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إباحة بيع الشعير بالحنطة مثلين بمثل ، فقد ثبت القول بذلك من طريق الآثار ، ثم التمسنا حكم ذلك من الحنطة كم هي ؟

                                                        فقال بعضهم : هي نصف صاع لكل مسكين ، وقال بعضهم : هي مد لكل مسكين .

                                                        فكان الذين جعلوها من الحنطة نصف صاع ، يجعلونها من الشعير صاعا ، وكان الذي جعلوها من الحنطة مدا ، يجعلونها من الشعير مدين ، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده عنهم في غير هذا الموضع .

                                                        فثبت بذلك أنهما نوعان مختلفان ، لأنهما لو كانا من نوع واحد ، إذا لأجزى من أحدهما ما يجزي من الآخر . فإن قال قائل : إنه إنما زيد في الشعير على ما جعل في ذلك من الحنطة ، لغلو الحنطة ، واتساع الشعير . فالجواب له في ذلك ، إنا رأينا ما يعطى من جيد الحنطة ومن رديئها في كفارة الأيمان سواء ، وكذلك الشعير . ألا ترى أن من وجبت عليه كفارة يمين ، فأعطى كل مسكين نصف مد ، يساوي نصف صاع ، أن ذلك لا يجزئه من نصف صاع ، ولا من مد .

                                                        فلما كان ما ذكرنا كذلك ، وكان الشعير يؤدى منه كفارات الأيمان مثلي ما يؤدى من الحنطة ، فثبت بذلك أنه نوع خلاف الحنطة .

                                                        فثبت بذلك أن لا بأس ببيعه بالحنطة ، مثلين بمثل وأكثر من ذلك ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد - رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية