الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واتفق أيضا أئمة المسلمين على أنه لا يشرع لأحد أن يدعو ميتا ولا غائبا ، فلا يدعوه ولا يسأله حاجة ، ولا يقول : اغفر ذنبي ، أو انصر ديني ، أو انصرني على عدوي ، أو غير ذلك من المسائل ، ولا يشتكي إليه ، ولا يستجير به ، كما يفعله النصارى بمن يصورون التماثيل على صورته ، ويقولون : مقصودنا دعاء أصحاب هذه التماثيل والاستشفاع بهم ، فمثل هذا ليس مشروعا -لا واجبا ولا مستحبا- في دين المسلمين باتفاق المسلمين . ومن فعل ذلك معتقدا أنه يستحب فهو ضال مبتدع .

بخلاف طلب الدعاء والشفاعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - والصالحين ، كما كان أصحابه يطلبون منه الدعاء ويستشفعون به ويتوسلون بدعائه في حياته ، كما ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب أنه [ ص: 110 ] قال : "اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك [بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك] بعم نبينا فاسقنا" ، فيسقون .

وقد ثبت في الصحيحين حديث أنس لما توسلوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واستشفعوا به ، فطلبوا منه أن يدعو لهم ، حين قال له الأعرابي : جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال ، فادع الله لنا ، فدعا الله لهم ، فأمطروا سبتا . ثم شكوا إليه بهدم الأبنية وانقطاع الطرق ، وسألوه أن يدعو الله بكشفها عنهم ، فدعاه ، فكشفها عنهم .

وكذلك يوم القيامة يتوسل به أهل الموقف ويستشفعون به ، فيشفع لهم إلى ربه أن يقضي بينهم . ثم يشفع شفاعة أخرى لأهل الكبائر من أمته ، ويشفع في أن يخرج الله من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، كما استفاضت بذلك الأحاديث الصحيحة .

ولما مات - صلى الله عليه وسلم - توسلوا بدعاء العباس عمه ، ولم يتوسلوا به بعد موته ، فإنهم إنما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته ، وذلك ينقطع بموته ، فتوسلوا بدعاء العباس .

وكذلك معاوية بن أبي سفيان استشفع في الشام وتوسل بيزيد ابن الأسود الجرشي ، وقال : "اللهم إنا نتوسل إليك بخيارنا ، يا يزيد! ارفع يديك" ، فرفع يديه فدعا ودعا الناس ، حتى نزل المطر .

التالي السابق


الخدمات العلمية