الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
السادس عشر

التنقل

وهو أنواع : إما من الأقرب إلى الأبعد ؛ كقوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ( البقرة : 21 - 22 ) [ ص: 339 ] قدم ذكر المخاطبين على من قبلهم ، وقدم الأرض على السماء .

وكذلك قوله : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( آل عمران : 5 ) لقصد الترقي .

وقوله : قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ( المؤمنون : 86 ) .

وإما بالعكس كقوله في أول الجاثية : إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة ( الآية : 3 ، 4 ) .

وإما من الأعلى كقوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو ( آل عمران : 18 ) .

وقوله : ما كنت تعلمها أنت ولا قومك ( هود : 49 ) .

وإما من الأدنى كقوله تعالى : ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ( التوبة : 121 ) .

وقوله : مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ( الكهف : 49 ) .

وقوله : لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) .

فإن قلت : لم لا اكتفى بنفي الأدنى ليعلم منه نفي الأعلى بطريق الأولى ؟ قلت : جوابه مما سبق من التقديم بالزمان .

وكقوله : ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( المدثر : 31 ) الآية ، وبهذا يتبين فساد استدلال المعتزلة على تفضيل الملك على البشر بقوله : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ( النساء : 172 ) فإنهم زعموا أن سياقها يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، إذ لا يحسن أن يقال : لا يستنكف فلان عن خدمتك ، ولا من دونه ؛ بل ولا من فوقه .

وجوابه أن هؤلاء لما عبدوا المسيح واعتقدوا فيه الولدية لما فيه من القدرة على [ ص: 340 ] الخوارق والمعجزات ؛ من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص وغيره ، ولكونه خلق من غير أب . والتزهيد في الدنيا وغالب هذه الأمور هي للملائكة أتم ، وهم فيها أقوى ، فإن كانت هذه الصفات أوجبت عبادته فهو مع هذه الصفات لا يستنكف عن عبادة الله ، بل ولا من هو أكبر منه في هذه الصفات ؛ للترقي من الأدنى إلى الأعلى في المقصود ، ولم يلزم منه الشرف المطلق والفضيلة على المسيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية