الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        303 [ ص: 368 ] باب العمل في صلاة الجماعة

                                                                                                                        273 - ذكر فيه مالك عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف ; فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " .

                                                                                                                        [ ص: 369 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 369 ] 7278 - في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بذلك .

                                                                                                                        7279 - ولا يجوز لهم التطويل ; لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيا عن التطويل .

                                                                                                                        7280 - وقد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف ، وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة ، لأنه - وإن علم قوة من خلفه - فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم .

                                                                                                                        7281 - ولذلك قال : " فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره .

                                                                                                                        7282 - وقد يحدث للظاهر القوة ، ومن يعرف منه الحرص على طول الصلاة حادث من شغل ، وعارض من حاجة ، وآفة من حدث بول أو غيره .

                                                                                                                        7283 - فينبغي لكل إمام أن يخفف جهده إذا أكمل الركوع والسجود .

                                                                                                                        7284 - قال أنس بن مالك : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخف الناس كلهم صلاة في تمام " .

                                                                                                                        [ ص: 370 ] 7285 - ولحديث أنس هذا طرق كثيرة ، وقد ذكرت بعضها في " التمهيد " .

                                                                                                                        7286 - ومن التمام ما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن نقر الغراب .

                                                                                                                        [ ص: 371 ] 7287 - وقال : " اعتدلوا في ركوعكم وسجودكم " .

                                                                                                                        7288 - ونظر إلى رجل لم يتم ركوعه ولا سجوده فقال له : " ارجع فصل فإنك لم تصل " .

                                                                                                                        [ ص: 372 ] 7289 - وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينظر الله عز وجل إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده " .

                                                                                                                        7290 - وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تجزئ صلاة امرئ لا يقيم فيها صلبه في ركوعه وسجوده .

                                                                                                                        7291 - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في " التمهيد " .

                                                                                                                        7291 م - وقد أنكر العلماء على أبي حنيفة فيمن صار من الركوع إلى السجود ولم يرفع رأسه أنه يجزئه ، وقالوا : هذا قول مخالف للسنة ولعلماء الأمة .

                                                                                                                        [ ص: 373 ] 7292 - حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسائي ، عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد ، عن شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أنسا يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اعتدلوا في الركوع والسجود " .

                                                                                                                        7293 - وروى عبد الحكم ، عن أنس ، عن النبي : " اعتدلوا في الركوع والسجود " .

                                                                                                                        7294 - حدثنا أحمد بن قاسم ، وعبد الوراث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، قال : حدثني عبد الحكم ، عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اعتدلوا في الركوع والسجود ، والله إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي " .

                                                                                                                        7295 - وقد قال ابن القاسم : من رفع رأسه من السجود فلم يعتدل جالسا أو من الركوع فلم يعتدل قائما حتى سجد ، أو حتى خر راكعا ، فليستغفر الله ولا يعد ، ولا شيء عليه في صلاته .

                                                                                                                        [ ص: 374 ] 7296 - وهذا مضارع لقول أبي حنيفة ، إلا أن ابن القاسم قال : من لم يرفع رأسه من الركوع فلا يعتد بتلك الركعة .

                                                                                                                        7297 - وهو قول مالك أنه قال : من لم يرفع رأسه ويعتدل في ركوعه وسجوده ، ويقم في ذلك صلبه لم تجزئه صلاته .

                                                                                                                        7298 - وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار ، منهم : أبو يوسف ، ومحمد ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والطبري .

                                                                                                                        7299 - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك في ترك الاعتدال رخصة ، فقال عنه : إذا رفع الإمام رأسه من الركوع ولم يعتدل قائما ثم أهوى ساجدا قبل أن يعتدل ، فإنه تجزئه صلاته .

                                                                                                                        7300 - والقول بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلقاه الجمهور بالقبول - أولى من كل ما خالفه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        7301 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا أبو حفص بن عمر النمري ، قال : حدثنا شعبة ، عن سليمان الأعمش ، عن عمارة بن عمير ، عن أبي مسعود البدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " .

                                                                                                                        7302 - وقد تقدم في هذا الكتاب أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي لم يتم ركوعه وسجوده بالإعادة ، وقال له : " ارجع فصل فإنك لم تصل " .

                                                                                                                        7303 - وكذلك فعل حذيفة بن اليماني برجل رآه لم يتم ركوعه وسجوده ، وقال له : لو مت على هذا مت على غير ملة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        7304 - وعلى هذا جماعة أهل العلم فيمن لم يقم صلبه من ركوعه وسجوده .

                                                                                                                        [ ص: 375 ] 7305 - إلا أن ما بعد قيام الصلب والاعتدال عندهم من الطمأنينة والمكث قليلا ليس من الواجب ولكنه من الكمال .

                                                                                                                        7306 - وكذلك العمل عندهم في الأئمة والتخفيف على ما وصفنا لا يختلفون في ذلك لما وصفنا من الآفات والضعف والحاجات .

                                                                                                                        7307 - ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة ، وأبي مسعود الأنصاري ، وعثمان بن أبي العاص أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " من أم الناس فليخفف ; فإن فيهم السقيم والكبير وذا الحاجة " .

                                                                                                                        7308 - هذا معنى حديثهم وقد ذكرنا الأسانيد بذلك عنهم في " التمهيد " .

                                                                                                                        7309 - وروى أبو قتادة الأنصاري عن النبي أنه قال : " إني لأقوم في الصلاة فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مخافة أن أفتن أمه " .

                                                                                                                        7310 - وروى أبو هريرة وأنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى حديث أبي قتادة .

                                                                                                                        7311 - وروى جابر عن النبي أنه قال لمعاذ - إذ شكاه بعض قومه أنه [ ص: 376 ] يطول بهم - : " أفتان أنت يا معاذ ، اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى ونحوها " .

                                                                                                                        7312 - وقد ذكرنا ذلك كله في مواضع من " التمهيد " والحمد لله .

                                                                                                                        7313 - قرأت على أبي القاسم ، أحمد بن فتح ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري بمصر ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عجلان ، قال : حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج ، قال : حدثني معمر بن أبي حيية ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، عن عمر بن الخطاب أنه قال : [ ص: 377 ] أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده ، فقال قائل منهم : وكيف ؟ قال : يكون الرجل إماما للناس يصلي بهم فلا يزال يطول عليهم حتى يبغض إليهم ما هم فيه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية