الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وتنصف إن أمر الحر القاتل وسيد القاتل رجلا بالصلح عن دمهما على ألف ففعل ) معناه لو كان القاتل حرا وعبدا فأمر الحر القاتل ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل المأمور فالألف على الحر والعبد نصفان ; لأنه مقابل بالقصاص ، وهو عليهما على السواء فيقسم بدله عليهما بالسواء ; ولأن الألف وجبت بالعقد ، وهو مضاف إليهما فينصف موجبه ، وهو الألف عليهما قال رحمه الله ( ، فإن صالح أحد الأولياء من حظه على عوض أو عفا فلمن بقي حظه من الدية ) ; لأن كل واحد منهم متمكن من التصرف في نصيبه استيفاء وإسقاطا بالعفو وبالصلح ; لأنه يتصرف في خالص حقه فينفذ عفوه وصلحه فسقط به حقه من القصاص ، ومن ضرورية سقوط حقه سقوط حق الباقين أيضا فيه ; لأنه لا يتجزأ ألا ترى أنه لا يتجزأ ثبوتا فكذا سقوطا وفي عبارة المصنف قصور من وجهين : الأول : أنه يقال صالح عن كذا وذكر في الكتاب كلمة من الثاني قوله من نصيبه يوهم تجزؤ القصاص وقد قدمنا أنه لا يتجزأ قال الشارح بخلاف ما لو قتل رجلين فعفا أولياء أحدهما حيث يكون لأولياء الآخر قتله ; لأن الواجب فيه قصاصان لاختلاف القاتل والمقتول فسقوط أحدهما لا يسقط الآخر ألا ترى أنهما يفترقان ثبوتا وكذا بقاء بخلاف ما نحن فيه .

                                                                                        فإذا سقط انقلب نصيب من لم يعف مالا ; لأنه تعذر استيفاؤه ، فيجب المال كما في الخطأ ، فإن سقوط القصاص فيه لمعنى في القتل ، وهو كونه مخطئا ولا يجب للعافي شيء ; لأنه أسقط حقه المتعين بفعله ورضاه بلا عوض بخلاف شركائه لعدم ذلك منهم فينقلب نصيبهم مالا والورثة في ذلك كلهم سواء وقال مالك والشافعي لا حق للزوجين في القصاص ، ولا في الدية ; لأن في الوراثة خلافه ، وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت وقال ابن أبي ليلى : لا يثبت حقهما في القصاص ; لأن سبب استحقاقهما العقد والقصاص لا يستحق بالعقد ألا ترى أن الوصي لا يثبت له حق في القصاص ; لأن المقصود في القصاص التشفي والانتفاع ، وذلك يختص به الأقارب الذين ينصر بعضهم بعضا ; ولهذا لا يكون أحدهما عاقلة الآخر لعدم التناصر ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { من ترك مالا أو حقا فلورثته } الحديث والقصاص حقه فيكون [ ص: 354 ] لجميعهم كالمال { وأمر عليه الصلاة والسلام بتوريث امرأة أسيم الضبابي من دية زوجها أسيم } ; ولأن القصاص حق يجري فيه الإرث حتى إذا قتل وله ابنان فمات أحدهما عن ابن كان القصاص بين الابن وبين ابن الابن فيثبت كسائر الورثة والزوجية تبقى بعد الموت حكما كما في حق الإرث أو يثبت الإرث مستندا إلى سببه ، وهو الجرح ، وكان علي رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراث والدية حكمها حكم سائر الأموال ; ولهذا لو أوصى بثلث ماله تدخل الدية فيه .

                                                                                        والقصاص بدل النفس كالدية فيورث كسائر أمواله ; ولهذا لو انقلبت مالا يقضى به دينه وتنفذ به وصاياه واستحقاق الإرث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة لا بالعقد ألا ترى أنه لا يرتد بالرد بخلاف الوصية ; ولهذا يتبين أن الاستحقاق ليس بالعقد بل بالعقد ولا يلزم من عدم التناصر وعدم العقل عدم الإرث للقصاص ألا ترى أن النساء من الأقارب لا يعقلن ويرثن القصاص والدية أقرب منه إذ المرأة لا تعقل عنها أبناؤها الكبار ويرثونها .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية