الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          251 247 - ( مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ) الزهري ورواه عقيل ويونس وشعيب وغيرهم عن الزهري عن حميد بدل أبي سلمة وصح عند البخاري الطريقان فأخرجهما على الولاء ، وأخرجه النسائي من طريق جويرية عن مالك عن ابن شهاب عن حميد وأبي سلمة جميعا ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب ) بضم أوله وفتح الراء وشد الغين المعجمة المكسورة ( في قيام رمضان ) أي صلاة التراويح قاله النووي ، وقال غيره : بل مطلق الصلاة الحاصل بها قيام الليل كالتهجد سرا ، وأغرب الكرماني في قوله اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح ( من غير أن يأمر بعزيمة ) أي أن يوجبه بل أمر ندب وترغيب ، وفسره بصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب بقوله : ( فيقول من قام رمضان ) قال ابن عبد البر : أجمع رواة الموطأ على لفظ قام ولذا أدخله مالك في قيام رمضان ، ويصحح ذلك أي يقويه قوله : كان يرغب في قيام رمضان وتابع مالكا عليه معمر ويونس وأبو أويس كلهم عن ابن شهاب بلفظ قام ، ورواه ابن عيينة وحده عن الزهري بلفظ : من صام رمضان أي بالصاد من الصيام ، وكذا رواه محمد بن عمرو ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري ثلاثتهم عن أبي [ ص: 415 ] سلمة عن أبي هريرة بلفظ : " من صام رمضان " ورواه عقيل عن الزهري بلفظ : " من صام رمضان وقامه " اهـ .

                                                                                                          والظاهر أنه كان عند ابن شهاب باللفظين عن أبي سلمة ، فتارة يرويه بلفظ : قام ، وتارة بلفظ صام لأن الرواة المذكورين عن ابن شهاب كلهم حفاظ ، ويقوي ذلك رواية عقيل عنه الجمع بينهما .

                                                                                                          ( إيمانا ) تصديقا بأنه حق معتقدا أفضليته .

                                                                                                          ( واحتسابا ) طلبا لثواب الآخرة لا لرياء ونحوه مما يخالف الإخلاص طيب النفس به غير مستثقل لقيامه ولا مستطيل له ، ونصبهما على المصدر أو الحال .

                                                                                                          ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) أي ذنبه المتقدم كله ، فمن للبيان لا للتبعيض أي الصغائر لا الكبائر ، كما قطع به إمام الحرمين والفقهاء وعزاه عياض لأهل السنة ، وجزم ابن المنذر بأنه يتناولهما .

                                                                                                          وقال الحافظ : إنه ظاهر الحديث .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : اختلف فيه العلماء فقال قوم : يدخل فيه الكبائر ، وقال آخرون : لا تدخل فيه إلا أن يقصد التوبة والندم ذاكرا لها .

                                                                                                          وقال بعضهم : يجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة .

                                                                                                          وزاد حامد بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن الزهري بإسناده في هذا الحديث : وما تأخر ، رواه ابن عبد البر وقال : هي زيادة منكرة في حديث الزهري ، ودفعه الحافظ بأنه تابعه على الزيادة قتيبة بن سعيد عن سفيان عند النسائي في السنن الكبرى ، والحسين المروزي في كتاب الصيام له ، وهشام بن عمار في فوائده ، ويوسف الحاجي في فوائده كلهم عن ابن عيينة ، ووردت أيضا عند أحمد من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وعن ثابت عن الحسن كلاهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ووردت أيضا من رواية مالك نفسه ، أخرجها أبو عبد الله الجرجاني في أماليه من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري ، ولم يتابع بحرا على ذلك أحد من أصحاب ابن وهب ولا من أصحاب مالك ولا يونس سوى ما قدمناه وقد ورد في غفران ما تقدم وما تأخر عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد ، واستشكل بأن المغفرة تستدعي سبق ذنب والمتأخر من الذنوب لم يأت فكيف يغفر ؟ وأجيب بأن ذنوبهم تقع مغفورة ، وقيل هو كناية عن حفظ الله إياهم في المستقبل عن الذنوب كما قيل في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وعورض الأخير بورود النقل بخلافه ، فقد شهد مسطح بدرا ووقع منه في عائشة ما وقع كما في الصحيح ، وقصة نعيمان مشهورة .

                                                                                                          ( قال ابن شهاب : فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ) أي ترك الجماعة في صلاة التراويح وفي رواية ابن أبي ذئب عن الزهري : " ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع الناس على القيام " رواه أحمد ، وأدرج معمر قول ابن شهاب في نفس الخبر رواه الترمذي ، وما رواه ابن وهب عن أبي هريرة : " خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإذا الناس يصلون في ناحية المسجد ، فقال : ما هذا ؟ فقيل : ناس يصلي بهم أبي بن [ ص: 416 ] كعب ، فقال : أصابوا ونعم ما صنعوا " ذكره ابن عبد البر ففيه مسلم بن خالد وهو ضعيف ، والمحفوظ أن عمر هو الذي جمع الناس على أبي بن كعب قاله الحافظ ، وقال الباجي : هذا مرسل من ابن شهاب ومعناه أن حال الناس على ما كانوا عليه في زمنه - صلى الله عليه وسلم - من ترك الناس والندب إلى القيام وأن لا يجتمعوا على إمام يصلي بهم خشية أن يفرض عليهم ، ويصح أن يكونوا لا يصلون إلا في بيوتهم وأن يصلي الواحد منهم في المسجد ، ويصح أن يكونوا لم يجتمعوا على إمام واحد ولكنهم كانوا يصلون أوزاعا متفرقين .

                                                                                                          ( ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر ) الصديق ، رضي الله عنه ، ( وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب ) بنصب صدرا عطف على خبر كان وفي نسخة بالخفض عطف على خلافة .

                                                                                                          قال ابن عبد البر : اختلف رواة مالك في إسناد هذا الحديث فرواه يحيى بن يحيى متصلا هكذا ، وتابعه يحيى بن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم ومعن وعثمان بن عمر عن مالك به ، ورواه القعنبي وأبو مصعب ومطرف وابن نافع وابن وهب والأكثر عن مالك مرسلا لم يذكروا أبا هريرة ، وقد رواه موصولا أصحاب ابن شهاب ، وتابع ابن شهاب على وصله يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة ، فتبين بذلك صحة رواية يحيى ومن تابعه دون رواية من أرسله وأنهم لم يقيموا الحديث ولم يتقنوه إذ أرسلوه وهو متصل صحيح .

                                                                                                          قال : وعند القعنبي ومطرف والشافعي وابن نافع وابن بكر وأبي مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن حميد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " هكذا رووه في الموطأ ليس فيه أن رسول الله كان يرغب في رمضان أن يأمر بعزيمة كما في حديث أبي سلمة وليس عند يحيى أصلا رواية حميد ، وعند الشافعي رواية حميد لا أبي سلمة ، وذكر البخاري رواية حميد من حديث مالك أي فقال : حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك وكذا مسلم قال : ثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك فذكراه ، قال : وقد رواه جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة ، وحميد عن أبي هريرة : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ، وتابعه ابن وهب على ذلك في رواية أحمد بن صالح وهو أثبت الناس في ابن وهب ثم أسنده ابن عبد البر من طريقه ، وحاصله أن لابن شهاب فيه شيخين : أبا سلمة حدثه تاما به ، وحميدا حدثه مختصرا ، فكان الزهري يحدث به على الوجهين ثم مالك بعده حدث به بالوجهين أيضا ، فمن رواته من روى حديث أبي سلمة ، ومنهم من روى حديث حميد ، ومنهم من جمع بينهما وهو جويرية وابن وهب لكن ذكر ما اتفقا عليه وهو لفظ الحديث دون القصة ودون قوله : كان يرغب . . إلخ .

                                                                                                          وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه وصحح الطريقين والله أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية