الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : استحباب مسح جميع الرأس فإذا ثبت أن الفرض في الرأس مسح بعضه وإن قل فالمستحب أن يمسح جميعه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : رواية عبد الله بن زيد والمقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بجميع رأسه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يصير باستيعاب مسح رأسه مؤديا بالإجماع فرض ما مسحه ، فإذا أراد مسح رأسه كله مسح بيديه على ما وصفه عبد الله بن زيد فيغمس يده في الماء ويبدأ بمقدم رأسه ويمرهما إلى قفاه ثم يردهما إلى مقدمه ، قال الشافعي : فيمسح جميع رأسه وصدغيه . فمن جعل من أصحابنا الصدغين من الرأس قال : إنما أمر بذلك لاستيعاب مسح الرأس .

                                                                                                                                            ومن لم يجعلهما من الرأس قال : إنما أمر بمسحهما وإن لم يكونا منه ليصير بالمجاورة إليهما مستوفيا لجميع الرأس ، فإذا فعل ذلك فقد استوعب مسح رأسه مرة واحدة ، ويستحب أن يفعل ذلك ثلاثا . وقال أبو حنيفة ومالك : السنة في مسح الرأس مرة واحدة ، وما زاد عن المرة مكروه استدلالا برواية علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرة واحدة ولأنه ممسوح في الطهارة فوجب ألا يكون التكرار فيه مسنونا كالتيمم والمسح على الخفين ، ولأن فرض المسح مقصور على بعض الرأس واستيعابه سنة فلم يجز أن يجعل تكرار مسحه سنة ثانية لأن العضو الواحد لا يجتمع فيه سنتان .

                                                                                                                                            وتحريره أنه عضو في الطهارة فلم يجتمع فيه سنتان قياسا على سائر الأعضاء ولأن المسنون في الرأس المسح وفي تكراره خروج عن حد المسح إلى الغسل ، والغسل غير مسنون ، فكذلك ما أدى إليه من تكرار المسح غير مسنون ودليلنا رواية حمران وشقيق بن سلمة عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم ( مسح برأسه ثلاثا ) . وروى عبد الله بن أبي أوفى وأبو [ ص: 118 ] رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه ثلاثا . وروت الربيع بنت معوذ بن عفراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه مرتين ، ولأنه أحد أعضاء الطهارة فوجب أن يكون التكرار في إيصال الماء إليه مسنونا قياسا على سائر الأعضاء ، ولأن المسح أحد نوعي الوضوء فكان التكرار مسنونا فيه كالغسل .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن روايتهم بأنه مسح مرة فهو أنها محمولة على الجواز ، وأحاديثنا على الاستحباب . وأما قياسهم على التيمم والمسح على الخفين فالمعنى فيهما أنها طهارة أسقط فيها المسنون واقتصر على بعض الفرض ، فكأن التكرار أسقط ، وليس كذلك مسح الرأس لأن المسنون معتبر فيه كسائر أعضاء الوضوء .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قولهم : إن العضو الواحد لا يدخله المسنون من وجهين فغلط ، ولا يمتنع ذلك في الوضوء ، ألا ترى أن الوجه فيه سنتان : المضمضة والاستنشاق والتكرار ثلاثا فكذا الرأس ، وأما قولهم : إنه يصير بتكرار المسح مغسولا ففيه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المكروه هو أن يبتدئ بغسله وهذا لم يبتدأ به ، وإنما أفضى إليه .

                                                                                                                                            والثاني : لا يصير مغسولا ؛ لأن حد الغسل أن يجري الماء بطبعه وذلك لا يكون بتكرار مسحه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية