الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        إذا نذر صوم سنة ، فله حالان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يعين سنة متوالية ، كقوله : أصوم سنة كذا ، أو أصوم سنة من أول شهر كذا ، أو من الغد فصيامها يقع متتابعا بحق الوقت ، ويصوم رمضان عن فرضه ، ويفطر العيدين ، وكذا أيام التشريق ، بناء على المذهب : أنه يحرم صومها ، ولا يجب قضاؤها ؛ لأنها غير داخلة في النذر . وإذا أفطرت بحيض أو نفاس ، ففي وجوب القضاء قولان ، ويقال : وجهان . أظهرهما : لا يجب كالعيد ، وبه قال الجمهور ، وصححه أبو علي الطبري ، وابن القطان ، والروياني . ولو أفطر بالمرض ، ففيه هذا الخلاف . ورجح ابن كج وجوب القضاء ؛ لأنه لا يصح أن تنذر صوم أيام [ ص: 311 ] الحيض ، ويصح أن تنذر صوم أيام المرض . ولو أفطر بالسفر ، وجب القضاء على المذهب ، وقيل : على الخلاف ، وبه قال ابن كج . وإذا أفطر بعض الأيام بغير عذر ، أثم ولزمه القضاء بلا خلاف . وسواء أفطر بعذر ، أم بغيره ، لا يلزمه الاستئناف . وإذا فات صوم السنة ، لم يجب التتابع في قضائه كرمضان .

                                                                                                                                                                        هذا كله إذا لم يتعرض للتتابع . فإن شرط التتابع مع التعيين للسنة ، فعلى الوجهين السابقين في الشهر . فإن قلنا : تجب رعايته فأفطر بغير عذر ، وجب الاستئناف . وإن أفطرت بالحيض ، لم يجب . والإفطار بالسفر والمرض ، له حكم الشهرين المتتابعين . فإن قلنا : لا يبطل التتابع ، ففي القضاء الخلاف السابق . ولو قال : لله علي صوم هذه السنة ، تناول السنة الشرعية ، وهي من المحرم إلى المحرم فإن كان مضى بعضها ، لم يلزمه إلا صوم الباقي . فإن كان رمضان باقيا ، لم يلزمه قضاؤه عن النذر ، ولا قضاء العيدين . وفي التشريق والحيض والمرض ، ما ذكرنا في جميع السنة .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : نذر صوم سنة وأطلق ، نظر ، إن لم يشرط التتابع ، صام ثلاثمائة وستين يوما ، أو اثني عشر شهرا بالهلال ، وكل شهر استوعبه بالصوم فناقصه كالكامل . وإن انكسر شهر ، أتمه ثلاثين . وشوال وذو الحجة منكسران بسبب العيد والتشريق ، ولا يلزم التتابع . فإن صام سنة متوالية ، قضى رمضان والعيدين والتشريق . ولا بأس بصوم يوم الشك عن النذر ، وتقضي أيام الحيض ، هذا الذي ذكرناه هو المذهب . وحكي وجه أنه لا يخرج عن نذره إلا بثلاثمائة وستين يوما . ووجه : أنه إذا صام من المحرم إلى المحرم ، أو من شهر آخر إلى مثله ، أجزأه ؛ لأنه يقال : صام سنة ، ولا يلزمه قضاء رمضان والعيدين والتشريق . أما إذا شرط التتابع ، فقال : لله على أن أصوم سنة متتابعا ، فيلزمه التتابع ، ويصوم رمضان عن فرضه ، ويفطر العيدين والتشريق . وهل يلزمه قضاؤها للنذر ؟ فيه طريقان . المذهب وهو المنصوص ، وبه قطع الجمهور : أنه يلزمه القضاء [ ص: 312 ] على الاتصال بآخر المحسوب من السنة . والثاني : في وجوبه وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا يلزمه كالسنة المعينة ، ثم يحسب بالشهر الهلالي وإن كان ناقصا . وإذا أفطر بلا عذر ، وجب الاستئناف . وإن أفطرت بالحيض لم يجب الاستئناف . وفي السفر والمرض ، ما ذكرنا في الشهرين المتتابعين . ثم في قضاء أيام الحيض والمرض ، الخلاف المذكور في الحال الأول . وإذا نذر صوم شهر بعينه ، فقضاء ما يفطره لمرض أو حيض ، على ما سبق في السنة . وكذا لو نذرت صوم يوم معين ، فحاضت ، ففي وجوب القضاء القولان . ولو نذرت صوم يوم غير معين ، فشرعت في صوم ، فحاضت ، لزمها القضاء .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        لو نذر صوم ثلاثمائة وستين يوما ، لزمه صوم هذا العدد ، ولا يجب التتابع . ولو قال : متتابعة ، وجب التتابع ، ويقضي لرمضان والعيدين والتشريق على الاتصال . وحكي وجه : أن التتابع يلغو هنا ، وهو شاذ .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية