الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القول في عقد النكاح إذا لم يسم فيه الصداق

                                                                                                                                            فإذا تقرر أن الصداق في عقد النكاح واجب فإن تزوجها على غير صداق سمياه في العقد ، صح العقد وإن كرهنا ترك التسمية فيه .

                                                                                                                                            وإنما صح العقد : لقول الله تعالى : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [ البقرة : 236 ] .

                                                                                                                                            وفي معنى الآية قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : معناها لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ، فتكون أو بمعنى لم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن في الكلام محذوفا وتقديره : فرضتم لهن فريضة ، أو لم تفرضوا لهن فريضة . والمراد بالفريضة هنا الصداق ، وسماه فريضة : لأنه قد أوجبه لها ، وأصل الفرض الوجوب ، كما يقال : فرض السلطان لفلان الفيء أي أوجب ذلك له ، وكما قال الشاعر :


                                                                                                                                            كانت فريضة ما أتيت كما كان الزنا فريضة الرجم

                                                                                                                                            فموضع الدليل من هذه الآية : أن الله تعالى قد أثبت النكاح مع ترك الصداق ، وجوز فيه الطلاق ، وحكم لها بالمتعة إن طلقت قبل الدخول ، وبين أن الأولى لمن كره امرأة أن يطلقها قبل الدخول : لقوله : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن [ البقرة : 236 ] فكان ذلك أولى طلاقي الكاره .

                                                                                                                                            وروى سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله عز وجل لا يحب الذواقات . يعني الفراق بعد الذوق .

                                                                                                                                            ويدل على ذلك أيضا أن بروع بنت واشق تزوجت بغير مهر فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهر نسائها والميراث .

                                                                                                                                            [ ص: 394 ] وروي أن أبا طلحة الأنصاري تزوج أم سليم على غير مهر ، فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحه .

                                                                                                                                            ولأن المقصود من عقد النكاح التواصل والألفة ، والصداق فيه تبع لمقصوده ، فخالف عقود المعاوضات من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن رؤية المنكوحة ليست شرطا فيه .

                                                                                                                                            والثاني : أن ترك العوض فيه لا يفسده .

                                                                                                                                            فأما كراهتنا لترك الصداق في العقد ، وإن كان جائزا ، فلثلاثة أمور :

                                                                                                                                            أحدها : لئلا يتشبه بالموهوبة التي تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من أمته .

                                                                                                                                            والثاني : لما فيه من قطع المشاجرة والتنازع إلى الحكام .

                                                                                                                                            والثالث : ليكون ملحقا بسائر العقود التي تستحق فيها المعاوضات ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية