الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في قيام رمضان

                                                                                                          حدثني مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل فجمعهم على أبي بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يعني آخر الليل وكان الناس يقومون أوله [ ص: 417 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 417 ] 2 - باب ما جاء في قيام رمضان

                                                                                                          وتسمى التراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كتسليمة من السلام ، سميت الصلاة جماعة في ليالي رمصان تراويح ; لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين ، قال الليث : قدر ما يصلي الرجل كذا وكذا ركعة .

                                                                                                          - 252 248 ( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد ) بالتنوين بلا إضافة ( القاري ) بشد الياء التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة .

                                                                                                          ( أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ) ليلة ( في رمضان إلى المسجد ) النبوي ( فإذا الناس أوزاع ) بفتح الهمزة وسكون الواو فألف فعين مهملة جماعات ( متفرقون ) نعت لفظي للتأكيد مثل نفخة واحدة لأن الأوزاع الجماعات المتفرقة لا واحد له من لفظه ، قال ابن عبد البر : وهم العزون قال تعالى : عن اليمين وعن الشمال عزين ( سورة المعارج : الآية 37 ) وفي الحديث : " ما لي أراكم عزين " وذكر ابن فارس والجوهري والمجد أن الأوزاع الجماعات ولم يقولوا متفرقين ، فعليه يكون النعت للتخصيص أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء متفرقين .

                                                                                                          ( يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ) ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وهذا بيان لما أجمله أولا بقوله : أوزاع .

                                                                                                          ( فقال عمر : والله إني لأراني ) من الرأي ( لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ) لأنه أنشط لكثير من المصلين ولما في الاختلاف من افتراق الكلمة .

                                                                                                          قال الباجي وابن التين وغيرهما : استنبط عمر ذلك من تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - من صلى معه في تلك الليالي وإن كان كره ذلك لهم فإنما كرهه خشية أن يفرض عليهم فلما مات - صلى الله عليه وسلم - أمن ذلك .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر : لم يسن عمر إلا ما رضيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يفرض على أمته وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، فلما أمن ذلك عمر أقامها وأحياها في سنة أربع عشرة من الهجرة ، ويدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - سن ذلك قوله : " إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا [ ص: 418 ] واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( فجمعهم على أبي بن كعب ) أي جعله إماما لهم ، قال ابن عبد البر : واختار أبيا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤم القوم أقرؤهم " وقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أقرؤهم أبي " ، وقال عمر : " علي أقضانا وأبي أقرأنا وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي " ( قال ) عبد الرحمن القاري : ( ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ) أي إمامهم قال ابن عبد البر : فيه أن عمر كان لا يصلي معهم إما لشغله بأمور الناس وإما لانفراده بنفسه في الصلاة ( فقال عمر : نعمت البدعة هذه ) وصفها بنعمت لأن أصل ما فعله سنة وإنما البدعة الممنوعة خلاف السنة .

                                                                                                          وقال ابن عمر في صلاة الضحى : نعمت البدعة .

                                                                                                          وقال تعالى : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ( سورة الحديد : الآية 27 ) وأما ابتداع الأشياء من عمل الدنيا فمباح قاله ابن عبد البر .

                                                                                                          وقال الباجي : نعمت التاء على مذهب البصريين لأن نعم فعل لا يتصل به إلا التاء وفي نسخ نعمه بالهاء وذلك على أصول الكوفيين ، وهذا تصريح منه بأنه أول من جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد لأن البدعة ما ابتدأ بفعلها المبتدع ولم يتقدمه غيره فابتدعه عمر وتابعه الصحابة والناس إلى هلم جرا ، وهذا يبين صحة القول بالرأي والاجتهاد انتهى .

                                                                                                          فسماها بدعة لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يسن الاجتماع لها ولا كانت في زمان الصديق وهو لغة ما أحدث على غير مثال سبق ، وتطلق شرعا على مقابل السنة وهي ما لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - ثم تنقسم إلى الأحكام الخمسة ، وحديث " كل بدعة ضلالة " عام مخصوص وقد رغب فيها عمر بقوله : نعمت البدعة وهي كلمة تجمع المحاسن كلها ، كما أن بئس تجمع المساوي كلها ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " وإذا أجمع الصحابة على ذلك مع عمر زال عنه اسم البدعة .

                                                                                                          ( والتي تنامون ) بفوقية أي الصلاة وتحتية أي الفرقة التي ينامون ( عنها أفضل من ) الصلاة ( التي تقومون ) بفوقية وتحتية أي الفرقة التي كسابقه ( يعني آخر الليل ) وهذا تصريح منه بأن الصلاة آخر الليل أفضل من أوله ، وقد أثنى الله على المستغفرين بالأسحار وقال أهل التأويل في قول يعقوب : سوف أستغفر لكم ربي ( سورة يوسف : الآية 98 ) أخرهم إلى السحر لأنه أقرب للإجابة .

                                                                                                          ويأتي حديث : " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل " ( وكان الناس يقومون أوله ) ثم جعله عمر في آخر الليل لقول ابن عباس : دعاني عمر أتغذى معه في رمضان يعني السحور فسمع هيعة الناس حين انصرفوا من القيام فقال عمر : أما إن الذي بقي من الليل أحب إلي مما مضى منه ، ففيه دليل على أن قيامهم كان أول الليل ثم جعله [ ص: 419 ] عمر في آخره ، فكان كذلك إلى زمن أبي بكر بن حزم كما يأتي أنه يستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر قاله أبو عمر ، وهذا الحديث رواه البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية