الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعزل الوكيل والاعتكاف ) [ ص: 247 ] فإنهما ليسا مما يحلف به فلم يجز تعليقهما بالشرط ، وهذا في إحدى الروايتين كما بسطه في النهر ، والصحيح إلحاق الاعتكاف بالنذر ( والمزارعة والمعاملة ) أي المساقاة لأنهما إجارة ( والإقرار ) [ ص: 248 ] إلا إذا علقه بمجيء الغد أو بموته فيجوز ويلزمه للحال عيني ( والوقف و ) والرابع عشر ( التحكيم ) كقول المحكمين إذا أهل الشهر فاحكم بيننا لأنه صلح معنى ، فلا يصح تعليقه ولا إضافته عند الثاني ، وعليه الفتوى كما في قضاء الخانية وبقي إبطال الأجل . ففي البزازية أنه يبطل بالشرط الفاسد [ ص: 249 ] وكذا الحجر على ما في الأشباه .

التالي السابق


( قوله وعزل الوكيل ) بأن قال له عزلتك على أن تهدي إلي شيئا ، أو إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به فلا يجوز تعليقه بالشرط عيني . قال في البحر ، تعليله يقتضي عدم صحة تعليقه لا كونه يبطل بالشرط . وعندي أن هذا خطأ أيضا وأنه مما لا يصح تعليقه لا مما يبطل بالشرط ا هـ ملخصا ، ويدل عليه أن ما يفسد بالشرط الفاسد ما كان مبادلة مال بمال وهذا ليس منها بل هو من التقييدات كما مر فيبطل تعليقه فيكون مفرعا على القاعدة الثانية فقط فلم يكن ذكره هنا خطأ فافهم ، وقيد بعزل الوكيل لأن الوكالة تخالفه حيث يصح تعليقها كما يأتي ( قوله والاعتكاف ) قال في البحر : عندي أن ذكره هنا خطأ لما في القنية قال : لله علي اعتكاف شهر إن دخلت الدار ثم دخل لزمه عند علمائنا فإذا صح تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد لما في جامع الفصولين : ما جاز تعليقه بالشرط لم يبطل بالشرط الفاسد ، وكيف والإجماع على صحة تعليق المنذور من العبادات أي عبادة كانت ، حتى أن الوقف كما يأتي لا يصح تعليقه بالشرط ، ولو علق النذر به بشرط صح التعليق . وفي الخانية : الاعتكاف سنة مشروعة يجب بالنذر والتعليق بالشرط والشروع فيه .

ثم قال : وأجمعوا أن النذر لو كان معلقا قال إن قدم غائبي أو شفى الله مريضي فلانا فلله علي أن أعتكف شهرا فعجل شهرا قبل ذلك لم يجز فهذه العبارة دالة على صحة تعليقه بالإجماع وهذا الموضع الثالث مما أخطئوا فيه والخطأ هنا أقبح لكثرة الصرائح بصحة تعليقه ، وأنا متعجب لكونهم تداولوا هذه العبارات متونا وشروحا وفتاوى ، وقد يقع كثيرا أن مؤلفا يذكر شيئا خطأ فينقلونه بلا تنبيه فيكثر الناقلون وأصله لواحد مخطئ ا هـ وتمامه فيه . وأجاب العلامة المقدسي بأن المراد أن نفس الاعتكاف لا يعلق بالشرط لأنه ليس مما يحلف به . قال في النهر : وهو مردود بما في هبة النهاية جملة ما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد ثلاثة عشر وعد منها تعليق إيجاب الاعتكاف بالشرط ويمكن أن يجاب عنه بأن معناه ما إذا قال أوجبت علي الاعتكاف إن قدم زيد لكنه خلاف الظاهر فتدبره ا هـ . ثم قال : والحق أن كلامهم هنا محمول على رواية في الاعتكاف وإن كانت الأخرى هي التي عليها الأكثر ا هـ .

قلت : وفيه نظر ، لما علمت من أن ما هنا مذكور في المتون والشروح والفتاوى ، بل الصواب في الجواب أنه إذا كان كلامهم فيما لا يصح تعليقه بالشرط الفاسد علم أن مرادهم أنه لا يصح تعليق الاعتكاف بالشرط الفاسد لا بمطلق شرط ، وإذا أجمعوا على أن تعليق الاعتكاف بشرط ملائم كإن شفى الله مريضي صحيح كيف يصح حمل [ ص: 247 ] كلامهم هنا على ما يناقضه ثم يعترض عليهم بأنهم أخطئوا وتداولوا الخطأ حتى لا يبقى لأحد ثقة بكلامهم الذي يتوافقون عليه ، مع أنا نرد على من خرج عن كلامهم بما يتداولونه فإنهم قدوتنا وعمدتنا شكر الله سعيهم ، بل الواجب حمل كلامهم على وفق مرامهم ، وذلك كما مثل به في الحواشي العزمية بقوله فساد الاعتكاف بالشرط ، بأن قال من عليه اعتكاف أيام نويت أن أعتكف عشرة أيام لأجله بشرط أن لا أصوم أو أباشر امرأتي في الاعتكاف أو أن أخرج عنه في أي وقت شئت بحاجة أو بغير حاجة يكون الاعتكاف فاسدا وتعليقه بالشرط بأن يقول نويت أن أعتكف عشرة أيام إن شاء الله تعالى ا هـ لكن هذا تصوير لنفس الاعتكاف لا لإيجابه فيصور إيجابه بأن يقول لله علي أن أعتكف شهرا بشرط أن لا أصوم إلخ أو إن رضي زيد ، وقد يقال : إن الشروع فيه موجب أيضا ، فإذا شرع فيه بالنية على هذا الشرط الفاسد لم يصح إيجابه فافهم ، والحمد لله على ما ألهم ( قوله فإنهما ليسا مما يحلف به ) هذا صحيح في عزل الوكيل ، أما الاعتكاف فيحلف به بالإجماع كما علمت أفاده ح .

( قوله والصحيح إلحاق الاعتكاف بالنذر ) أي في صحة تعليقه بالشرط ، وهذا التصحيح مأخوذ من قول النهر وإن كانت الأخرى هي التي عليها الأكثر فهو ضعيف للرواية التي مشى عليها أصحاب المتون والشروح ، وقد علمت الجواب الصواب ( قوله لأنهما إجارة ) فيكونان معاوضة مال بمال فيفسدان بالشرط الفاسد ، ولا يجوز تعليقهما بالشرط ، كما لو قال زارعتك أرضي أو ساقيتك كرمي على أن تقرضني ألفا أو إن قدم زيد ، وتمامه في البحر . قال الرملي : وبه يعلم فساد ما يقع في بلادنا من المزارعة بشرط مؤنة العامل على رب الأرض سواء كانت من الدراهم أو من الطعام ( قوله والإقرار ) بأن قال لفلان علي كذا إن أقرضتني كذا أو إن قدم فلان لأنه ليس مما يحلف به فلا يصح تعليقه بالشرط عيني . وفي المبسوط : ادعى عليه مالا فقال إن لم آتك به غدا فهو علي لم يلزمه إن لم يأت به غدا لأنه تعليق الإقرار بالخطر . وفيه لفلان علي ألف درهم إن حلف أو على أن يحلف فحلف فلان وجحد المقر لم يؤخذ به لأنه علق الإقرار بشرط فيه خطر ، والتعليق بالشرط يخرجه من أن يكون إقرارا ا هـ بحر .

وظاهره أن قوله على أن يحلف تعليق لا شرط ، لكن قد يطلق التعليق على التقييد بالشرط . وذكر في البحر أن ظاهر الإطلاق دخول الإقرار بالطلاق والعتق مثل إن دخلت الدار فأنا مقر بطلاقها أو بعتقه فلا يقع ، بخلاف تعليق الإنشاء ، ويدل على الفرق بينهما أنه لو أكره على الإنشاء به وقع أو على الإقرار به لم يقع . هذا . وقد حكى الزيلعي في كتاب الإقرار خلافا في أن الإقرار المعلق باطل أو لا . ونقل عن المبسوط ما يشهد لصحته فظاهره تصحيحه والحق تضعيفه لتصريحهم هنا بأنه لا يصح تعليقه بالشرط وأنه يبطل بالشرط الفاسد ا هـ ملخصا . واعترضه في النهر بأنه حيث اعتمد على كلامهم هنا كان عليه التزامه في عزل الوكيل والاعتكاف . قلت : إنما لم يلتزمه فيهما بناء على ما فهمه من مخالفته لكلامهم ، ولا يلزم إطراده في باقي المسائل ، نعم في كون الإقرار مما يبطل بالشرط نظر لأنه ليس من المعاوضات المالية ، ولم أر من صرح ببطلانه به ، ولا يلزم من ذكره هنا بطلانه لما علمته مما مر مرارا أن ما ذكره المصنف من الفروع بعضه مما يبطل بالشرط وبعضه مما لا يبطل ، فلا بد من نقل صريح ، ولا سيما وقد اقتصر الزيلعي وغيره على ذكر أنه لا يصح تعليقه بالشرط فليراجع [ ص: 248 ]

( قوله إلا إذا علقه بمجيء الغد ) كقوله علي ألف إذا جاء غد أو رأس الشهر أو أفطر الناس ، لأن هذا ليس بتعليق بل هو دعوى الأجل إلى الوقت المذكور فيقبل إقراره ودعواه الأجل لا تقبل إلا بحجة زيلعي من كتاب الإقرار ( قوله أو بموته ) مثل له علي ألف إن مت فهو عليه مات أو عاش لأنه ليس بتعليق لأن موته كائن لا محالة بل مراده الإشهاد عليه ليشهدوا به بعد موته إذا جحدت الورثة فهو تأكيد للإقرار زيلعي ( قوله والوقف ) لأنه ليس مما يحلف به ، فلو قال إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده لا تصير وقفا لأن شرطه أن يكون منجزا جزم به في فتح القدير والإسعاف حيث قال إذا جاء غد أو رأس الشهر أو إذا كلمت فلانا أو إذا تزوجت فلانة فأرضي صدقة موقوفة يكون باطلا لأنه تعليق والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر . وفيه أيضا : وقف أرضه على أن له أصلها أو على أن لا يزول ملكه عنها أو على أن يبيع أصلها ويتصدق بثمنها كان الوقف باطلا ، وحكي في البزازية وغيرها أن عدم صحة تعليقه رواية ، والظاهر ضعفها لجزم المصنف وغيره بها نهر ، وصوابه أن يقول والظاهر اعتمادها أو ضعف مقابلتها ، اللهم إلا أن يكون الضمير للحكاية المفهومة من قوله وحكي تأمل ، ومقتضى ما نقله عن الإسعاف ثانيا أن الوقف يبطل بالشرط الفاسد مع أنه ليس مبادلة مال بمال وأن المفتى به جواز شرط استبداله ولا يلزم من ذكر المصنف له هنا أنه مما يبطل بالشرط الفاسد لما قدمناه غير مرة ، بل ذكر في العزمية أن قاضي خان صرح بأنه لا يبطل بالشروط الفاسدة .

ويمكن التوفيق بينه وبين ما في الإسعاف بأن الشرط الفاسد لا يبطل عقد التبرع إذا لم يكن موجبه نقض العقد من أصله ، فإن اشتراط أن تبقى رقبة الأرض له أو أن لا يزول ملكه عنها أو أن يبيعها بلا استبدال نقض للتبرع ( قوله لأنه صلح معنى ) قال في الدرر فإنه تولية صورة وصلح معنى ، إذ لا يصار إليه إلا بتراضيهما لقطع الخصومة بينهما فباعتبار أنه صلح لا يصح تعليقه ولا إضافته ، وباعتبار أنه تولية يصح فلا يصح بالشك ا هـ والظاهر أنه لا يفسد بالشرط الفاسد لأنه ليس مبادلة مال بمال ( قوله عند الثاني ) وعند محمد يجوز كالوكالة والإمارة والقضاء بحر ( قوله كما في قضاء الخانية ) ومثله في بيوع الخلاصة ( قوله وبقي إبطال الأجل ) بقي أيضا تعلق الكفالة بشرط غير ملائم كما سيأتي في بابها إن شاء الله تعالى والإقالة كما مر في بابها ، ويأتي مثاله ، والكتابة بشرط في صلب العقد كما يأتي بيانه قريبا ، والعفو عن القود والإعارة ففي جامع الفصولين قال للقاتل إذا جاء غد فقد عفوتك عن القود لا يصح لمعنى التمليك . قال إذا جاء غد فقد أعرتك تبطل لأنها تمليك المنفعة ، وقيل تجوز كالإجارة ، وقيل تبطل الإجارة ; ولو قال أعرتك غدا تصح العارية ا هـ .

وبقي أيضا عزل القاضي في أحد القولين كما يأتي ، وسيذكر الشارح أن ما لا تصح إضافته لا يعلق بالشرط ( قوله ففي البزازية أنه يبطل بالشرط الفاسد ) بأن قال كلما حل نجم ولم تؤد فالمال حال صح وصار حالا هكذا عبارة البزازية . واعترضها في البحر بأنها سهو ظاهر ، لأنه لو كان كذلك لبقي الأجل فكيف يقول صح . وعبارة الخلاصة : وإبطال الأجل يبطل بالشرط الفاسد ; ولو قال كلما حل نجم إلخ فجعلها مسألة أخرى وهو الصواب ا هـ . وذكر العلامة المقدسي أن العبارتين مشكلتان ، وأن الظاهر أن المراد أن الأجل يبطل ، وأنه إذا علق على شرط فاسد كعدم أداء نجم في المثال المذكور يبطل به الأجل فيصير المال حالا ا هـ . [ ص: 249 ]

وحاصله أن لفظ إبطال في عبارتي البزازية والخلاصة زائد وأنه لا مدخل لذكره في هذا القسم أصلا ( قوله وكذا الحجر ) يوهم أنه يفسد بالشرط الفاسد وليس كذلك كما سيأتي ، نعم لا يصح تعليقه بالشرط . قال في جامع الفصولين . ولو قال لقنه إذا جاء غد فقد أذنت لك في التجارة صح الإذن ; ولو قال إذا جاء غد فقد حجرت عليك لا يصح ، والقاضي لو قال لرجل قد حجرت عليك إذا سفهت لم يكن حكما بحجره ، ولو قال لسفيه قد أذنت لك إذا صلحت جاز ا هـ




الخدمات العلمية