الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب تحريم الصيد للمحرم

                                                                                                                1193 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلما أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح وقتيبة جميعا عن الليث بن سعد ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر ح وحدثنا حسن الحلواني حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح كلهم عن الزهري بهذا الإسناد أهديت له حمار وحش كما قال مالك وفي حديث الليث وصالح أن الصعب بن جثامة أخبره وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد وقال أهديت له من لحم حمار وحش

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن الصعب بن جثامة ) هو بجيم مفتوحة ، ثم ثاء مثلثة مشددة .

                                                                                                                [ ص: 277 ] قوله : ( وهو : بالأبواء أو بودان ) أما ( الأبواء ) فبفتح الهمزة وإسكان الموحدة وبالمد ، و ( ودان ) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة ، وهما مكانان بين مكة والمدينة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) هو بفتح الهمزة من ( أنا حرم ) و ( حرم ) بضم الحاء والراء أي محرمون ، قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - : رواية المحدثين في هذا الحديث ( لم نرده ) بفتح الدال .

                                                                                                                قال : وأنكره محققو شيوخنا من أهل العربية ، وقالوا : هذا غلط من الرواة ، وصوابه : ضم الدال ، قال : ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال ، وهو الصواب عندهم على مذهب سيبويه في مثل هذا من المضاعف إذا دخلت عليه الهاء أن يضم ما قبلها في الأمر ونحوه من المجزوم ، مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها ؛ لخفاء الهاء ، فكان ما قبلها ولي الواو ، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضموما هذا في المذكر ، وأما المؤنث مثل ( ردها وجبها ) فمفتوح الدال ، ونظائرها مراعاة للألف ، هذا آخر كلام القاضي ، فأما ( ردها ) ونظائرها من المؤنث ففتحة الهاء لازمة بالاتفاق ، وأما ( رده ) ونحوه للمذكر ففيه ثلاثة أوجه : أفصحها : وجوب الضم كما ذكره القاضي ، والثاني : الكسر ، وهو ضعيف ، والثالث : الفتح ، وهو أضعف منه ، وممن ذكره ثعلب في الفصيح ، لكن غلطوه ؛ لكونه أوهم فصاحته ولم ينبه على ضعفه .

                                                                                                                قوله : ( عن الصعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا ) ، وفي رواية : ( حمار وحش ) ، وفي رواية : ( من لحم حمار وحش ) ، وفي رواية ( عجز حمار وحش يقطر دما ) ، وفي رواية : ( شق حمار وحش ) ، وفي رواية : ( عضوا من لحم صيد ) هذه روايات مسلم ، وترجم له البخاري : باب إذا أهدي للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل ، ثم رواه بإسناده ، وقال في روايته ( حمارا وحشيا ) ، وحكي هذا التأويل أيضا عن مالك وغيره ، وهو تأويل باطل ، وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح ، وأنه إنما أهدى بعض لحم صيد لا كله ، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد على المحرم ، وقال الشافعي وآخرون : يحرم عليك تملك الصيد بالبيع والهبة ونحوهما ، وفي ملكه إياه بالإرث خلاف ، وأما لحم الصيد : فإن صاده أو صيد له فهو حرام ، سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه ، فإن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ، ثم أهدى من لحمه للمحرم أو باعه لم يحرم عليه ، هذا مذهبنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود .

                                                                                                                وقال أبو حنيفة : لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه ، وقالت طائفة : لا يحل له لحم الصيد أصلا ، سواء صاده أو صاده غيره له أو لم يقصده فيحرم مطلقا ، حكاه القاضي عياض عن علي وابن عمر وابن [ ص: 278 ] عباس رضي الله عنهم ؛ لقوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما قالوا : المراد بالصيد المصيد ، ولظاهر حديث الصعب بن جثامة فإن النبي صلى الله عليه وسلم رده وعلل رده أنه محرم ، ولم يقل : لأنك صدته لنا ، واحتج الشافعي وموافقوه بحديث أبي قتادة المذكور في صحيح مسلم بعد هذا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصيد الذي صاده أبو قتادة - وهو حلال - قال للمحرمين : ( هو حلال فكلوا ) وفي الرواية الأخرى قال : فهل معكم منه شيء ؟ قالوا : معنا رجله ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلها . وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم هكذا الرواية ( يصاد ) بالألف وهي جائزة على لغة ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                ألم يأتيك والأنباء تنمي



                                                                                                                قال أصحابنا : يجب الجمع بين هذه الأحاديث ، وحديث جابر هذا صريح في الفرق ، وهو ظاهر في الدلالة للشافعي وموافقيه ، ورد لما قاله أهل المذهبين الآخرين ، ويحمل حديث أبي قتادة على أنه لم يقصدهم باصطياده ، وحديث الصعب أنه قصدهم باصطياده ، وتحمل الآية الكريمة على الاصطياد ، وعلى لحم ما صيد للمحرم ؛ للأحاديث المذكورة المبينة للمراد من الآية ، وأما قولهم في حديث الصعب أنه صلى الله عليه وسلم علل بأنه محرم فلا يمنع كونه صيد له ؛ لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له بشرط أنه محرم ، فبين الشرط الذي يحرم به .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) فيه : جواز قبول الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة . وفيه : أنه يستحب لمن امتنع من قبول هدية ونحوها لعذر أن يعتذر بذلك إلى المهدي تطييبا لقلبه .




                                                                                                                الخدمات العلمية