الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما لم يكن بعد الاستعطاف إلا الإنذار على الخلاف، قال مهددا للمكذبين بعذاب دون عذاب جهنم، منكرا عليهم الأمان بعد إقامة الدليل على أن بيده الملك، وأنه قادر على ما يريد منه بأسباب جنوده وبغير سبب، مقررا بعد تقرير حاجة الإنسان وعجزه أنه [ لا حصن له ولا -] مانع له بوجه من عذاب الله، فهو دائم الافتقار ملازم للصغار: أأمنتم أي أيها المكذبون، وخاطبهم بما كانوا يعتقدون مع أنه [ إذا -] حمل على الرتبة وأول السماء بالعلو أو جعل كناية عن التصرف لأن العادة جرت غالبا أن من كان في شيء كان متصرفا فيه صح من غير تأويل فقال: من في السماء أي على زعمكم العالية قاهرة لكم، أو المعنى: من الملائكة الغلاظ الشداد الذي صرفهم في مصالح العباد، أو المعنى: في غاية العلو رتبة، أو أن ذلك إشارة إلى أن في السماء أعظم أمره لأنها ترفع إليها أعمال عباده وهي مهبط الوحي [ ص: 248 ] ومنزل القطر ومحل القدس والسلطان والكبرياء وجهة العرش ومعدن المطهرين والمقربين من الملائكة الذين أقامهم الله في تصريف أوامره ونواهيه، والذي دعا إلى مثل هذا التأويل السائغ الماشي على لسان العرب [ قيام -] الدليل القطعي على أنه سبحانه ليس بمتحيز في جهة لأنه محيط فلا يحاط به، لأن ذلك لا يكون إلا لمحتاج; ثم أبدل من "من" بدل اشتمال فقال: أن

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كانت قدرته على ما يريد بلا واسطة كقدرته بالواسطة، وقدرته إذا كان الواسطة جمعا كقدرته إذا كان واحدا، لأن الفاعل على كل تقدير حقيقة هو لا غيره، وحد بما يقتضيه لفظ "من" إشارة إلى هذا المعنى سواء أريد ب "من" هو سبحانه أو ملائكته أو واحد منهم [ فقال-] : يخسف أي أأمنتم خسفه، ويجوز أن يراد ب "من" الله سبحانه وتعالى كما مضى خطابا على زعمهم وظنهم أنه في السماء وإلزاما لهم بأنه كما قدر على الإمطار والإنبات وغيرهما من التصرفات في الأرض فهو يقدر على غيره بكم الأرض كما خسف بقارون وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الذي يخسف به من الأرض يصير كالساقط في الهواء [ وكان الساقط في الهواء -] يصير يضطرب، سبب عن ذلك قوله: فإذا هي أي الأرض التي أنتم بها تمور أي تضرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه، [ ص: 249 ] قال في القاموس: المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية