الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثالث من أقسام الأصل ، وهو أن تكون حاملا وقت الصداق ، وقد وضعت حملها وقت الطلاق ، فحكمه مبني على اختلاف قولي الشافعي في الحمل هل له حكم يتميز به أو يكون تبعا ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 448 ] أحدهما : أنه يكون تبعا لا يتميز بحكم فعلى هذا إذا طلقها قبل الدخول كان لها جميع الولد وهل يصير مستهلكا في حق الزوج أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يصير مستهلكا في حقه ، وإن كانت الأم زائدة به وقت حمله ويكون كالسمن إذا زال بالهزال ويصير الولد كالنماء الحادث على ملكها ابتداء وانتهاء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يستهلك على الزوج حقه من الزيادة بحملها ، بخلاف ذهاب السمن بالهزال ؛ لأن السمن هلك في يده فصار مستهلكا عليه ، وليس الولد كذلك ؛ لأن زيادته حملا قد تمت وتكاملت ، فلم يجز أن يستهلك على الزوج ، وقد صارت متكاملة للزوجة .

                                                                                                                                            وإذا كان هكذا وجب أن يعتبر ما بين قيمتها وقت العقد حاملا وحابلا ، فما كان بينهما من فصل رجع الزوج بنصفه على الزوجة مع نصف الأم ، وصار جميع الولد مع نصف الأم للزوجة . فإن بذلت له نصف الولد عما استحقه من نصف ما بين القيمتين فرضي جاز ، وصارت الأم بينهما والولد بينهما . وإن لم يرض به لم يجبر عليه وجها واحدا ؛ لأنه عدول عن حقه إلى معاوضة لا يلزم إلا عن مراضاة .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك ، نظر :

                                                                                                                                            فإن أخذ الزوج نصف الولد مع نصف الأم أقر على ملكه لإجماع ملك الولد مع ملك الأم .

                                                                                                                                            وإن أخذ الزوج نصف الأم ولم يأخذ نصف الولد لم يجز أن يقر على ملك نصف الأم ؛ لأن فيه تفريقا بين الأم وولدها في الملك .

                                                                                                                                            وهل تجبر الزوجة على إعطائه نصف قيمة الأم أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تجبر على ذلك ؛ لما يلزمها من القيام بحضانة الولد .

                                                                                                                                            والثاني : أنها لا تجبر على ذلك ، ويقال لها : إن دفعت إلى الزوج نصف قيمة الأم أقر الولد والأم على ملكك . وإن امتنعت لم تجبري ، وبيعا جميعا عليك ، ودفع إلى الزوج من الثمن النصف فما قابل ثمن الأم ، وكان الباقي لك ، فهذا إذا قيل : إن الحمل تبع لا يتميز بحكم .

                                                                                                                                            والقول الثاني : في الحمل أن له حكما يتميز ، فعلى هذا تكون الأم والحمل صداقا ، لكن الحمل قد زاد بالولادة على ملك الزوجة ، فلم يلزمها بدل الولد لحدوث الزيادة فيه .

                                                                                                                                            فإن بذلت له نصف الولد مع نصف الأم أجبر على القبول في أصح الوجهين ، وإن امتنعت من بذل نصفه ، رجع بنصف الأم ، وفي كيفية ما يرجع به من قيمة نصف الحمل وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع بنصف ما بين قيمة أمه حاملا وحابلا ، ولا يقوم وقت الولادة ؛ لأنه قد زاد إلى وقت الولادة زيادة لا يملكها الزوج ، فدعت الضرورة إلى اعتبار ما بين القيمتين .

                                                                                                                                            [ ص: 449 ] والوجه الثاني : أنه يقوم الولد وقت الولادة ، ويرجع الزوج بنصف قيمته ؛ لأنه في وقت كونه حملا لا يوصل إلى معرفة قيمته . فدعت الضرورة إلى اعتبار قيمته بعد الولادة ، وإن حدثت فيه زيادة لا يملكها ، كما يقوم على من تزوج أمة على أنها حرة فأولدها ولدا صار بالعلوق حرا فيقوم بعد الولادة ، وإن كان قد صار بالعلوق حرا ، وعند الولادة زائدا ؛ لتعذر تقويمه حال العلوق ، كذلك هاهنا .

                                                                                                                                            فعلى هذا يمنع من الولد إلى نصف قيمته لأجل زيادته ، فإن بذلت له نصف الولد ، ففي إجباره على قبوله وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجبر على قبوله ، ويقر الزوج على ملكه لاجتماعه مع الأم في الملك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجبر عليه ، ويطالب بتنصيف القيمة ، فإذا أخذ نصف قيمة الولد فله نصف الأم ما لم تزد ولم تنقص ، ولا يجوز التفرقة بين الولد وبين أمه في الملك .

                                                                                                                                            وهل تجبر الزوجة على دفع نصف قيمة الأم ، أو يباعان معا ؟ على ما مضى من الوجهين ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية