الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 63 ] وله الإخراج في : كبناء ، إن دفع ما أنفق ، وفيها أيضا قيمته ، وهل خلاف ، أو قيمته إن لم يشتره ، أو إن طال أو إن اشتراه بغبن كثير ؟ [ ص: 64 ] تأويلات .

التالي السابق


( و ) إن أعار شخص شخصا أرضا براحا لبناء أو غرس فيها بلا ذكر أجل وبنى أو غرس فيها ف ( له ) أي المعير الذي لم يقيد بعمل ولا أجل ( الإخراج ) أي إخراج المستعير مما أعاره له ( في ) إعارته ل ( كبناء ) وغرس ( إن دفع ) المعير للمستعير مثل ( ما أنفق ) المستعير في البناء أو الغرس لأنه التزم له ما لا غاية له ، وإن كان العرف يقيده فليس هو كتقييد الشرط فيها من أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس ، فلما فعل أردت إخراجه بقرب ذلك مما لا يشبه أن يعيره إلى مثل تلك المدة القريبة ، فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق كذا في كتاب العارية ( وفيها ) أي المدونة أيضا في كتاب آخر بعده ( قيمة ما أنفق ) وإلا تركه إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد . ( و ) اختلف الشارحون ( هل ) ما في الوضعين ( خلاف ) وهو تأويل غير واحد ( أو وفاق ) بأحد ثلاثة أوجه ، الأول ( قيمته ) أي ما أنفق ( إن لم يشتره ) بأن كان ما بنى به أو غرسه من عنده ، وما أنفق إن اشتراه بثمن . والثاني قوله ( أو ) قيمته ( إن طال ) الزمان على البناء أو الغرس قبل إخراجه لتغيره وما أنفق إذا كان بالقرب جدا . والثالث قوله ( أو ) قيمته ( إن اشتراه ) أي ما بنى به أو غرس ( بغبن كثير ) فيعطي قيمته بالعدل وما أنفق إن اشتراه بلا غبن أو بغبن يسير . [ ص: 64 ] البناني ظاهر المصنف أن هذا التأويل الثالث تأويل بالوفاق كالذين قبله ، وكذا ذكره ابن رشد ، والذي لعبد الحق أنه تأويل خلاف ونحوه لابن يونس ، ونصه بعض أصحابنا في هذين القولين ثلاث تأويلات ، وذكر التأويلين الأولين وقال فعلى هذين التأويلين لا يكون اختلافا من قوله الثالث له ما أنفق إذا لم يكن فيه تغابن أو كان فيه تغابن يسير ومرة رأى أن القيمة أعدل إذ قد يسامح مرة فيما يشتريه ومرة يغبن فيه ، فإذا أعطى قيمة ذلك يوم بنائه لم يظلم فيكون على هذا خلاف من قوله . ا هـ . نقله أبو الحسن . طفى وقد تقدم لنا كلام على ذلك آخر الشركة فراجعه في الجواب ( تأويلات ) .

( تنبيهات ) :

الأول : ظاهر قوله ما أنفق أنه لا يعطيه أجرة قيامه على البناء أو الغرس . وفي توضيحه عن حمديس إذا أعطاه ما أنفق يعطيه أجرة مثله في قيامه لأن رب الأرض قد يجد ما ينفق ويعجز عن القيام ، ولولا ذلك لشاء من عجز عن القيام أن يعبر أرضه ، فإذا استوى البناء أو الغرس أخرجه وقال هذه نفقتك .

الثاني : أبو الحسن إذا أعطاه قيمته قائما فمعناه على التأبيد ، بخلاف الاستحقاق فإنه إذا أعطاه قيمته قائما فإنما هي لتمام المدة . طفى عبارة التوضيح وقالوا إذا أعطى قيمته قائما فمعناه على التأبيد ، بخلاف أول مسألة كتاب الاستحقاق ، فإنه إذا أعطاه قيمته قائما لتمام المدة ، قالوا والفرق أن ما في الاستحقاق المستحق لم يأذن له ، وإنما أذن له غيره ، وهنا الإذن من رب الأرض ا هـ . ومسألة الاستحقاق هي قولها أو كتاب الاستحقاق من اكترى أرضا للبناء أو الغرس من مبتاعها واستحقت بعدهما فلربها إمضاء كراء بقية المدة ، فإن أمضاه كان له مناب كراء بقية المدة وأمره بقلع البناء والغرس أو أخذهما بقيمتهما مقلوعين وله فسخ كراء بقية المدة وأمره بقلعهما أو أخذهما بقيمتهما قائمين ، فإن أبى أخذهما قيل للمكتري أعطه قيمة أرضه ، فإن أبى فشريكان . ا هـ . فقال عبد الحق قيمتهما قائمين إنما هي على أن يقلعا إلى غاية وقت الكراء ، وكذا إذا وجبت الشركة [ ص: 65 ] بينهما بقيمتهما وقاله غير واحد من شيوخنا . ا هـ . وبحث فيه الصقلي فقال انظر كيف تقويم البناء على قلعة إلى عشر سنين .

فإن قلت بكم يبني مثله على أن يقلع إلى عشر سنين فالقيمة لا تختلف ، سواء قال إلى سنة أو إلى عشرين سنة ، ولذا قال ابن القاسم يدفع إليه قيمة البناء قائما ولم يحده بوقت ، وإنما يصح ذلك على تأويل ابن حبيب القائل معنى ذلك قائما هو ما زاد البناء في قيمة الأرض ، يقال عليه كم قيمة الأرض براحا ، فإن كانت مائة قيل كم قيمتها بهذا البناء على أن يقلع لعشر سنين ، فيقال مائة وخمسون فيعلم أن قيمة البناء خمسون . وعلى تأويل ابن القاسم بكم يبني مثل هذا البناء ، فيقال خمسون أو مائة ، فهذه قيمة البناء .

ابن عرفة قلت هذا صواب جار على أصل المذهب في تفسير قيمة البناء قائما حسبما تقدم في كتاب العارية وأطال في ذلك . [ ص: 66 ] ثم قال بعد كلام نقله عن التونسي حاصله أنه فسر قيمته قائما بأنها على بقائه في الأرض [ ص: 67 ] إلى الأمد المذكور لا بما يبني به خلاف ما تقدم للصقلي ، وقول الصقلي هو الصواب حسبما تقدم . وقال بعد كلام نقله عن المازري وكل هذا تخليط . والصواب ما تقدم للصقلي حسبما قررناه ، والمعروف في بناء المشتري وغرسه قيمته قائما على ما تقدم تفسيره في [ ص: 68 ] العارية والذي في العارية هو قيمة ما يبنى به ، وهو قول المصنف إن دفع ما أنفق أو قيمته ، وحينئذ لا يأتي تقييد عبد الحق المذكور إذ لا تختلف حسبما أشار له الصقلي .

والحاصل أن مذهب ابن القاسم هو المعروف في المذهب أن معنى قيمة البناء قائما قيمة ما يبني به لا فرق بين العارية والاستحقاق من مشتر أو مكتر ، وحينئذ لا يتأتى التقييد المذكور عن عبد الحق ، ولا الفرق بين العارية ومسألة الاستحقاق إذ الكلام سواء ، ولا تختلف القيمة بذلك كما علمت وأطلت لأني لم أر من تكلم على المسألة من الشراح والله الموفق .

الثالث : البناني قوله وإلا فالمعتاد مخالفة بظاهره للمدونة إلا أن ابن يونس صوبه ، وقوله وله الإخراج موافق للمدونة ، فكلامه متناقض ، فلو قال وإلا فالمعتاد على الأرجح وفيها له الإخراج في كبناء لا جاد قاله " غ " " ح " ، وكلام " غ " صحيح لا غبار عليه ، وتأول عج تبعا للبساطي ، تقريره بما ذكره " ز " ليوافق المدونة ولم يرتضه " ح " لاحتياجه إلى تقدير كثير .




الخدمات العلمية