الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3859 ص: وقد استدل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - بما استدللنا به من هذا في ترك رسول الله - عليه السلام - استلام ذينك الركنين .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - أخبر عبد الله بن عمر ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - عليه السلام - قال : " ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة ، اقتصروا عن قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله ، أفلا تردها على قواعد إبراهيم . - عليه السلام - ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر .

                                                قال : فقال عبد الله بن عمر : لئن كانت عائشة سمعت ذلك من رسول الله - عليه السلام - ما أرى رسول الله - عليه السلام - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم - عليه السلام
                                                ) . - " .

                                                فثبت بهذه الآثار ما ذكرنا ، وأنه لا ينبغي أن يستلم من أركان البيت إلا الركنين اليمانيين . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله - .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا شاهدا لاستدلاله لترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر وتأييدا له ؛ وذلك لأن ابن عمر أخبر في حديثه أنه - عليه السلام - إنما ترك استلام هذين الركنين لكون البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم ، كما قلنا إنهم لما قصرت بهم النفقة اقتصروا على ما هو عليه الآن ، وبقي الحجر الذي هو من نفس البيت خارج البيت ، حتى لو بني البيت على قواعد إبراهيم - عليه السلام - لكان ينبغي أن تستلم الأركان كلها ؛ لأن كلها حينئذ تصير على منتهى البيت . . ثم رجال الحديث المذكور كلهم رجال الصحيح .

                                                [ ص: 396 ] وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك . . . إلى آخره نحوه .

                                                ومسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

                                                والنسائي : عن محمد بن مسلمة والحارث بن مسكين ، عن ابن القاسم ، عن مالك نحوه .

                                                قوله : "ألم تري [أن] قومك" أراد بهم قريشا ؛ لبنيانهم الكعبة ، قال الله تعالى : وكذب به قومك وهو الحق قال المفسرون : يعني قريشا .

                                                قوله : "على قواعد إبراهيم - عليه السلام - " جمع قاعدة ، وهي الأساس .

                                                قوله : "لئن سمعت عائشة بذلك" ليس على طريق التضعيف والتشكيك في روايتها ، فقد كانت من الحفظ والضبط بحيث لا تستراب فيما تنقله ، لكن كثيرا ما يأتي في كلام العرب صور التقرير والتشكيك ، والمراد به اليقين كقوله تعالى : وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين وقوله : قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي الآية .

                                                . .



                                                الخدمات العلمية