الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا تزوج المولي عليه بغير أمر وليه لم يكن له أن يجيز النكاح ، وإن أصابها فلا صداق لها ولا شيء تستحل به ؛ إذا كنت لا أجعل عليه في سلعة يشتريها فيتلفها شيئا ، لم أجعل عليه بالإصابة شيئا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن المولي بالسفه لا يجوز أن يتزوج بغير إذن وليه ؛ لأن وقوع الحجر عليه قد منعه من التصرف في العقود ، فإن تزوج فالنكاح باطل ، فإن لم يدخل بها فرق بينهما ، ولا أرش عليه ، وإن دخل بها فلا حد عليه لمكان الشبهة ، فإن جاءت بولد لحق به .

                                                                                                                                            فأما المهر ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون قد أكرهها على نفسها فعليه مهر مثلها ؛ لأن إكراهه لها كالجناية منه يضمن بها .

                                                                                                                                            [ ص: 471 ] والضرب الثاني : أن تطاوعه من غير إكراه ، ففي وجوب المهر عليه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو المنصوص عليه في هذا الموضع - : أنه لا مهر عليه ؛ لأن الحجر قد أبطل ذمته في الحقوق كما لو اشترى سلعة واستهلكها لم يضمن قيمتها .

                                                                                                                                            والقول الثاني - قاله في القديم - : أن عليه مهر مثلها ؛ لأن البضع لا ينتهك إلا بمهر في الشبهة أو حد في الزنا ، فلما سقط الحد وجب المهر وخالف السلع في البيوع ؛ لأنها تملك بالإباحة ، ولا يملك البضع بالإباحة .

                                                                                                                                            فإذا تقرر هذان القولان . فقد اختلف أصحابنا في موضع القولين .

                                                                                                                                            فذهب البصريون منهم إلى أنهما مع جهلهما بسفهه ، وثبوت حجره ، فإن وجوب مهرها عليه يكون على قولين ، فأما إذا كانت عالمة بسفهه وحجره فلا مهر لها عليه قولا واحدا ؛ لأن في تمكينها مع العلم بحاله إبراء له .

                                                                                                                                            وقال البغداديون منهم : بل القولان مع العلم بحاله مع الجهل بها في أن مهرها على قولين ؛ لأنه غرم يعتبر بفعله ، فعلى هذا إن أوجبنا عليه المهر أخذ من ماله في الحال ، ولم ينظر به فكاك الحجر إلا أن يكون معسرا فينظر به إلى وقت يساره ، وإن أسقطنا عليه المهر فلا شيء عليه في الحال ، ولا بعد فكاك حجره في الحكم .

                                                                                                                                            وهل عليه فيما بينه وبين الله تعالى بعد فكاك حجره أن يدفع إليها ما يصير البضع مستباحا به أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا شيء عليه ؛ لأنه فعل ظاهر ، فإذا لم يلزمه به حق في الظاهر ، لم يلزمه في الباطن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : عليه فيما بينه وبين الله تعالى ما يستحل به البضع ؛ لئلا يكون مستبيحا لبضعها بغير بذل ، فعلى هذا فيما يلزمه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : مهر مثلها ؛ لأنه قيمة مستهلك عليها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يستطيب نفسها بما يصير البضع مستباحا به من غير تقدير مهر المثل ما لم يزد على مهر المثل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : فلها المهر بما استحل من فرجها . ولئلا يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما خص به من استباحة الموهوبة بغير مهر ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية