الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6068 ) فصل : في مسائل تنبني على نية الحالف وتأويله ; إذا قال : إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة فأنت طالق أو أكل تمرا فقال : إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق ولم تعلم ذلك ، فإنها تعد له عددا يعلم أنه قد أتى على عدد ذلك مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله ولا يحنث إذا كانت نيته ذلك وإن نوى الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة لم يبرأ إلا بذلك وإن أطلق فقياس المذهب أنه لا يبرأ إلا بذلك أيضا ; لأن ظاهر حال الحالف إرادته فتنصرف يمينه إليه كالأسماء العرفية التي تنصرف اليمين إلى مسماها عرفا دون مسماها حقيقة ولو أكلا تمرا فقال : إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة وحدها فالقول فيها كالتي قبلها

                                                                                                                                            وإن وقعت في ماء جار فحلف عليها : إن خرجت منه أو أقمت فيه فأنت طالق فقال القاضي : قياس المذهب أنه يحنث إلا أن ينوي عين الماء الذي هي فيه ; لأن إطلاق يمينه يقتضي خروجها من النهر أو إقامتها فيه وقال أبو الخطاب : لا يحنث ; لأن الماء المحلوف عليه جرى عنها وصارت في غيره فلم يحنث سواء أقامت أو خرجت ; لأنها إنما تقف في غيره أو تخرج منه وكذلك قال القاضي في " المجرد " وهو مذهب الشافعي ; لأن الأيمان عندهم تنبني على اللفظ لا على القصد وكذلك قالوا : لا يحنث في هذه الأيمان السابقة كلها

                                                                                                                                            ولو قال : إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر ، وإن كان عبدي في السوق فامرأتي طالق فكانا جميعا في السوق فقيل : يعتق العبد ولا تطلق المرأة ; لأنه لما حنث في اليمين الأولى عتق العبد فلم يبق له في السوق عبد ويحتمل أن يحنث ; بناء على قولنا في من حلف على معين تعلقت اليمين بعينه دون صفته كمن قال : إن كلمت عبدي سعدا فأنت طالق ثم أعتقه وكلمته طلقت فكذلك هاهنا ; لأن يمينه تعلقت بعبد معين وإن لم يرد عبدا بعينه لم تطلق المرأة ; لأنه لم يبق له عبد في السوق

                                                                                                                                            ولو كان في فيها تمرة فقال : أنت طالق إن أكلتها أو ألقيتها أو أمسكتها [ ص: 396 ] فأكلت بعضها وألقت بعضها لم يحنث إلا على قول من قال : إنه يحنث بفعل بعض المحلوف عليه ، وإن نوى الجميع لم يحنث بحال ، ولو كانت عنده وديعة لإنسان فأحلفه ظالم أن ليس لفلان عندك وديعة فإنه يحلف : ما لفلان عندي وديعة وينوي بما " الذي " ويبر في يمينه

                                                                                                                                            وكذلك لو سرقت امرأته منه شيئا فحلف عليها بالطلاق : لتصدقني أسرقت مني أم لا ؟ وخافت أن تصدقه ، فإنها تقول : سرقت منك ما سرقت منك ، وتعني الذي سرقت منك : ولو استحلفه ظالم : هل رأيت فلانا أو لا ؟ ، فإنه يعني برأيت أي ضربت رئته وذكرته أي قطعت ذكره ، وما طلبت منه حاجة أي الشجرة التي حبسها الحاج ولا أخذت منه فروجا يعني القباء ، ولا حصيرا وهو الحبس وأشباه هذا فمتى لم يكن ظالما فحلف وعنى به هذا تعلقت يمينه بما عناه

                                                                                                                                            ولو كانت له امرأة على درجة فحلف عليها أن لا تنزل عنها ولا تصعد منها ولا تقف عليها ، فإنها تنتقل عنها إلى سلم آخر ، وتنزل إن شاءت أو تصعد أو تقف عليه ; لأن نزولها إنما حصل من غيرها إن كان في يمينه ولا انتقلت عنها فإنها تحمل مكرهة ولو كان في سلم وله امرأتان إحداهما في الغرفة والأخرى في البيت السفلاني فحلف : لا صعدت إلى هذه ولا نزلت إلى الأخرى ، فإن السفلى تصعد وتنزل العليا ثم ينزل إن شاء أو يصعد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية