الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 519 ] صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : حدثنا أصبغ بن الفرج ، عن ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن قال : ذكرت لعروة قال : أخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ ثم طاف ، ثم لم تكن عمرة ، ثم حج أبو بكر وعمر مثله ، ثم حججت مع أبي الزبير فأول شيء بدأ به الطواف ، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه ، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة ، فلما مسحوا الركن حلوا . هذا لفظه وقد رواه في موضع آخر ، عن أحمد بن عيسى ، ومسلم ، عن هارون بن سعيد ، ثلاثتهم عن ابن وهب به . وقولها : ثم لم تكن عمرة . يدل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يتحلل بين النسكين ، ثم كان أول ما ابتدأ به ، عليه الصلاة والسلام ، استلام الحجر الأسود قبل الطواف ، كما قال جابر : حتى إذا أتينا البيت معه ، استلم الركن ، فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا محمد بن كثير ، ثنا سفيان ، عن ، الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عابس بن ربيعة ، عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله وقال : " إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 520 ] ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير جميعا ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عابس بن ربيعة قال : رأيت عمر يقبل الحجر ويقول : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد وأبو معاوية قالا : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عابس بن ربيعة قال : رأيت عمر أتى الحجر فقال : أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك . ثم دنا فقبله . فهذا السياق يقتضي أنه قال ما قال ، ثم قبله بعد ذلك . بخلاف سياق صاحبي " الصحيح " . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا وكيع ويحيى - واللفظ لوكيع - عن هشام ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب أتى الحجر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك . وقال : ثم قبله . وهذا منقطع بين عروة بن الزبير وبين عمر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري أيضا : ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا محمد بن جعفر بن أبي [ ص: 521 ] كثير ، أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، أن عمر بن الخطاب قال للركن : أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك . فاستلمه . ثم قال : وما لنا وللرمل ؟ ! إنما كنا راءينا به المشركين ، ولقد أهلكهم الله . ثم قال : شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه . وهذا يدل على أن الاستلام تأخر عن القول .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا أحمد بن سنان ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا ورقاء ، ثنا زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال مسلم بن الحجاج ثنا حرملة ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، هو ابن يزيد الأيلي ، وعمرو ، هو ابن دينار . ( ح ) وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو ، عن ابن شهاب ، عن سالم أن أباه حدثه ، أنه قال : قبل عمر بن الخطاب الحجر ثم قال : أما والله لقد علمت أنك حجر ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . زاد هارون في روايته : قال عمرو : وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم . يعني عن عمر به . وهذا صريح في أن التقبيل تقدم على القول . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنبأنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن [ ص: 522 ] عمر ، أن عمر قبل الحجر ثم قال : قد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك . هكذا رواه الإمام أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " ، عن محمد بن أبي بكر المقدمي ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر وقال : إني لأقبلك ، وإني لأعلم أنك حجر ، ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال مسلم : ثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة ، كلهم عن حماد ، قال خلف : ثنا حماد بن زيد ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس قال : رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر ويقول : والله إني لأقبلك ، وإني لأعلم أنك حجر ، وأنك لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك . وفي رواية المقدمي وأبي كامل : رأيت الأصيلع . وهذا من أفراد مسلم دون البخاري . وقد رواه الإمام أحمد ، عن أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس به . ورواه أحمد أيضا ، عن غندر ، عن شعبة ، عن عاصم الأحول به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن سويد بن غفلة قال : رأيت عمر يقبل الحجر ويقول : إني [ ص: 523 ] لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيا . ثم رواه أحمد ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري به . وزاد : فقبله والتزمه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا رواه مسلم من حديث عبد الرحمن بن مهدي بلا زيادة ، ومن حديث وكيع بهذه الزيادة : قبل الحجر والتزمه وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب أكب على الركن وقال : إني لأعلم أنك حجر ، ولو لم أر حبيبي صلى الله عليه وسلم قبلك واستلمك ما استلمتك ولا قبلتك : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( الأحزاب : 21 ) . وهذا إسناد جيد قوي ، ولم يخرجوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : ثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي ، من أهل مكة قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال : رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر بن الخطاب قبله وسجد عليه ، ثم قال عمر : لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم قبله ما قبلته وهذا [ ص: 524 ] أيضا إسناد حسن . ولم يخرجه إلا النسائي ، عن عمرو بن عثمان ، عن الوليد بن مسلم ، عن حنظلة بن أبي سفيان ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن عمر ، فذكر نحوه . وقد روى هذا الحديث عن عمر الإمام أحمد أيضا من حديث يعلى بن أمية عنه ، وأبو يعلى الموصلي في " مسنده " من طريق هشام بن حبيش بن الأشعر ، عن عمر . وقد أوردنا ذلك كله بطرقه وألفاظه وعزوه وعلله في الكتاب الذي جمعناه في " مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " ، رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة . وبالجملة فهذا الحديث مروي من طرق متعددة ، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وهي تفيد القطع عند كثير من أئمة هذا الشأن ، وليس في هذه الروايات أنه ، عليه الصلاة والسلام ، سجد على الحجر إلا ما أشعر به رواية أبي داود الطيالسي ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان وليست صريحة في الرفع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولكن رواه الحافظ البيهقي من طريق أبي عاصم النبيل ، ثنا جعفر بن عبد الله قال : رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر وسجد عليه ، ثم قال : رأيت خالك ابن عباس قبله وسجد عليه ، وقال ابن عباس : رأيت عمر قبله وسجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هكذا ففعلت .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 525 ] وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أنبأنا الطبراني ، أنبأنا أبو الزنباع ، ثنا يحيى بن سليمان الجعفي ، ثنا يحيى بن يمان ، ثنا سفيان ، عن ابن أبي حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الحجر . قال الطبراني : لم يروه عن سفيان إلا يحيى بن يمان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا مسدد ، ثنا حماد ، عن الزبير بن عربي قال : سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر ، فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . قال : أرأيت إن زحمت ؟ أرأيت إن غلبت ؟ قال : اجعل " أرأيت " باليمن ; رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله . تفرد به دون مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : ثنا مسدد ، ثنا يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : ما تركت استلام هذين الركنين في شدة ولا رخاء منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما . فقلت لنافع : أكان ابن عمر يمشي بين الركنين ؟ قال إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو داود والنسائي ، من حديث يحيى بن سعيد القطان ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 526 ] وقال البخاري : ثنا أبو الوليد ، ثنا ليث ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، قال : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين . ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى ، وقتيبة ، عن الليث بن سعد به . وفي رواية عنه أنه قال : ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين الشاميين إلا أنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : وقال محمد بن بكر : أنبأنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء أنه قال : ومن يتقي شيئا من البيت ؟ وكان معاوية يستلم الأركان ، فقال له ابن عباس : إنه لا يستلم هذان الركنان . فقال له : ليس من البيت شيء مهجورا . وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن . انفرد بروايته البخاري رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال مسلم في " صحيحه " : حدثني أبو الطاهر ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن قتادة بن دعامة حدثه أن أبا الطفيل البكري حدثه أنه سمع ابن عباس يقول : لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين . انفرد به مسلم . فالذي رواه ابن عمر موافق لما قاله ابن عباس ; أنه لا يستلم الركنان الشاميان ; لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم لأن قريشا قصرت بهم النفقة ، فأخرجوا الحجر من البيت حين بنوه ، كما تقدم بيانه . وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو بناه [ ص: 527 ] فتممه على قواعد إبراهيم ، ولكن خشي من حداثة عهد الناس بالجاهلية فتنكره قلوبهم ، فلما كانت إمرة عبد الله بن الزبير هدم الكعبة ، وبناها على ما أشار إليه ، صلى الله عليه وسلم ، كما أخبرته خالته أم المؤمنين عائشة بنت الصديق . فإن كان ابن الزبير استلم الأركان كلها بعد بنائه إياها على قواعد إبراهيم فحسن جدا وهو والله المظنون به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود : ثنا مسدد ثنا يحيى عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة . ورواه النسائي ، عن محمد بن المثنى ، عن يحيى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال النسائي : ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن جريج عن يحيى بن عبيد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن السائب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ( البقرة : 201 ) ورواه أبو داود ، عن مسدد ، عن عيسى بن يونس ، عن ابن جريج به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا سفيان ، عن [ ص: 528 ] جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخل المسجد ، فاستلم الحجر ، ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا ، ثم أتى المقام فقال : " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " . فصلى ركعتين ، والمقام بينه وبين البيت ، ثم أتى الحجر بعد الركعتين فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا ، أظنه قال : " إن الصفا والمروة من شعائر الله " حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم . وهكذا رواه إسحاق بن راهويه عن يحيى بن آدم ورواه الطبراني ، عن النسائي وغيره ، عن عبد الأعلى بن واصل عن يحيى بن آدم به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية