الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " فإذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا وأخرجهما جميعا عن وركه اليمنى وأفضى بمقعده إلى الأرض وأضجع اليسرى ونصب اليمنى ووجه أصابعها إلى القبلة وبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى ووضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعها إلا المسبحة وأشار بها متشهدا "

                                                                                                                                            قال الماوردي : التشهد [ الثاني ] واجب ، والقعود له واجب وإن ترك واحدا منهما فصلاته باطلة ، وبه قال من الصحابة عمر ، وابن عمر ، رضي الله عنهما ، ومن التابعين عطاء ومجاهد ، ومن الفقهاء الأوزاعي ، وأحمد

                                                                                                                                            وقال مالك : التشهد ليس بواجب ، ولا القعود له واجب ، وهو قول علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه والزهري والنخعي

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : ليس التشهد بواجب وإنما القعود له واجب استدلالا برواية ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى الإمام بعد قدر التشهد ، ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته وهذا نص . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى الإمام بعد قدر التشهد ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته وصلاة من معه " قال : ولأنه ذكر يتكرر في الصلاة فإذا لم يجب أوله لم يجب ثانيه كالتسبيح ، ولأنه ذكر من [ ص: 136 ] سنته الإخفاء في كل صلاة فوجب أن يكون مسنونا كالاستفتاح به ، ولأنه ذكر يختص بالقعود فاقتضى أن يكون غير واجب كالتشهد الأول

                                                                                                                                            ودليلنا رواية حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فعلمنا وبين لنا سنننا ، وعلمنا صلاتنا إلى أن قال : " وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم أن يقول التحيات وهذا أمر

                                                                                                                                            وروى علقمة قال : أخذ عبد الله بن مسعود بيدي ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة ، وقال : " إذا قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد فدل أنه قبل التشهد لم يقض صلاته ، ولأنه ركن مقدر بذكر فوجب أن يكون الذكر فيه مفروضا ، كالقراءة ، ولأنه ذكر ممتد يشترك فيه العادة ، والعبادة فوجب أن يتضمنه ذكر واجب كالقيام ، ولأن كل ما تضمنه الأذان من أذكار الله ، عز وجل ، كان شرطا في [ صحة ] الصلاة كالتكبير ، ولأن الصلاة بعد عقدها تشتمل على نوعين من ذكر معجز ، وغير معجز ، فلما انقسم المعجز إلى مفروض ومسنون : وجب أن ينقسم غير المعجز إلى مفروض ومسنون

                                                                                                                                            فأما استدلالهم بحديث عبد الله بن مسعود : فالثابت عنه ما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم " فإذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك " ، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم فإذا قعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك إن كان صحيحا على مقارنة التمام كقوله سبحانه وتعالى : فإذا بلغن أجلهن [ البقرة : 234 ] . أي : فإذا بلغن أجلهن لإجماعنا أن صلاته لم تتم إلا بالخروج منها

                                                                                                                                            وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فليس بصحيح ، وإنما المروي فقد تمت صلاة من معه وليس فيه ذكر صلاة الإمام ، ولو كان ما قالوه مرويا لكان محمولا على الوقت الذي لم يكن السلام والتشهد فيه مفروضا ، لأن فرضها متأخر

                                                                                                                                            وأما قياسهم على التسبيح فالمعنى فيه أن الركن لا يتقرر به ، وكذا قياسهم على الافتتاح

                                                                                                                                            وأما قياسهم على التشهد الأول فالمعنى فيه أنه لما لم يكن القعود واجبا لم يكن في نفسه واجبا

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية