الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 289 ] ( وإذا كفل إلى ثلاثة أيام ) مثلا ( كان كفيلا بعد الثلاثة ) أيضا أبدا حتى يسلمه [ ص: 290 ] لما في الملتقط وشرح المجمع لو سلمه للحال برئ وإنما المدة لتأخير المطالبة ، ولو زاد وأنا بريء بعد ذلك لم يصر كفيلا أصلا في ظاهر الرواية ، وهي الحيلة في كفالة لا تلزم درر وأشباه .

قلت : ونقله في لسان الحكام عن أبي الليث وأن عليه الفتوى .

ثم نقل عن الواقعات أن الفتوى أنه يصير كفيلا ا هـ . لكن تقوى الأول بأنه ظاهر المذهب فتنبه

التالي السابق


مطلب في الكفالة المؤقتة .

( قوله : وإذا كفل إلى ثلاثة أيام إلخ ) حاصله أنه إذا قال كفلت لك زيدا أو ما على زيد من الدين إلى شهر مثلا صار كفيلا في الحال أبدا أي في الشهر وبعده ، ويكون ذكر المدة لتأخير المطالبة إلى شهر لا لتأخير الكفالة ، كما لو باع عبدا بألف إلى ثلاثة أيام يصير مطالبا بالثمن بعد الثلاثة ، وقيل لا يصير كفيلا في الحال بل بعد المدة فقط وهو ظاهر عبارة الأصل ، وعلى كل فلا يطالب في الحال ، وهو ظاهر الرواية كما في التتارخانية .

وفي السراجية وهو الأصح ، وفي الصغرى وبه يفتى كما في البحر .

قلت : ومقابله ما قاله أبو يوسف والحسن أنه يطالب به في المدة فقط وبعدها يبرأ الكفيل ، كما لو ظاهر أو آلى من امرأته مدة فإنهما يقعان فيها ويبطلان بمضيها كما في الظهيرية وغيرها .

وفيها أيضا : ولو قال كفلت فلانا من هذه الساعة إلى شهر تنتهي الكفالة بمضي الشهر بلا خلاف ، ولو قال شهرا لم يذكره محمد .

واختلف فيه فقيل هو كفيل أبدا ، كما لو قال إلى شهر ، وقيل في المدة فقط : أي كما لو قال من هذه الساعة إلى شهر .

والحاصل أنه إما أن يذكر إلى بدون من فيقول كفلته إلى شهر وهي المسألة فيكون كفيلا بعد الشهر ولا يطالب في الحال .

وعند أبي يوسف والحسن هو كفيل في المدة فقط ، وإما أن يذكر من وإلى فيقول كفلته من اليوم إلى شهر فهو كفيل في المدة فقط بلا خلاف ، وإما أن لا يذكر من ولا إلى فيقول كفلته شهرا أو ثلاثة أيام ، فقيل كالأول ، وقيل كالثاني .

وفي التتارخانية عن جمع التفاريق قال : واعتماد أهل زماننا على أنه كالثاني .

قلت : وينبغي عدم الفرق بين الصور الثلاث في زماننا كما هو قول أبي يوسف والحسن ; لأن الناس اليوم لا يقصدون بذلك إلا توقيت الكفالة بالمدة وأنه لا كفالة بعدها ، وقد تقدم أن مبنى ألفاظ الكفالة على العرف والعادة ، وأن لفظ عندي للأمانة وصار في العرف للكفالة بقرينة الدين .

وقالوا إن كلام كل عاقد وناذر وحالف وواقف يحمل على عرفه سواء وافق عرف اللغة أو لا .

ثم رأيت في الذخيرة قال : وكان القاضي الإمام الأجل أبو علي النسفي يقول : قول أبي يوسف أشبه بعرف الناس إذا كفلوا إلى مدة يفهمون بضرب المدة أنهم يطالبون في المدة لا بعدها إلا أنه يجب على المفتي أن يكتب في الفتوى أنه إذا مضت المدة المذكورة فالقاضي يخرجه عن الكفالة احترازا عن خلاف جواب الكتاب ، وإن وجد هناك قرينة تدل على إرادته جواب الكتاب فهو عليه ا هـ ، لكن نازع في ذلك في أنفع الوسائل بأن القاضي المقلد لا يحكم إلا بظاهر الرواية لا بالرواية الشاذة ، إلا أن ينصوا على أن الفتوى عليها ا هـ .

قلت : ما ذكره الإمام النسفي مبني على أن المذكور في ظاهر الرواية إنما هو حيث لا عرف ، إذ لا وجه للحكم على المتعاقدين بما لم يقصداه فليس قضاء ، بخلاف ظاهر الرواية ، وما ذكره من إخراج القاضي له عن الكفالة زيادة احتياط لاحتمال كون العاقدين عالمين بذلك المعنى قاصدين له ، ولذا قال إن وجد قرينة على خلاف العرف [ ص: 290 ] يحكم بجواب ظاهر الرواية ، والله سبحانه أعلم .

( قوله : لما في الملتقط إلخ ) تعليل لما فهم من قوله أيضا من أنه يكون كفيلا قبل الثلاثة ا هـ ح .

( قوله : لو سلمه للحال برئ ) ويجبر الطالب على القبول ، كمن عليه دين مؤجل إذا عجله قبل حلول الأجل يجبر الطالب على القبول خانية ، فلو لم يصر كفيلا قبل مضي المدة لم يصح تسليمه فيها ولم يجبر الآخر على القبول .

( قوله : لم يصر كفيلا أصلا ) لأنه لا يصير كفيلا بعد المدة لنفيهما الكفالة فيه صريحا ولا في الحال على ما ذكرنا في ظاهر الرواية ظهيرية .

( قوله : ونقله إلخ ) نقل القولين في البحر أيضا عن البزازية .

( قوله : أنه يصير كفيلا ) أي في المدة فقط كما يفيده قول جامع الفصولين في الفصل السادس والعشرين كفل بنفسه إلى شهر على أنه بريء بعد الشهر فهو كما قال .

( قوله : لكن تقوى الأول بأنه ظاهر المذهب ) قلت : وتقوى الثاني بأنه المتعارف بين الناس بحيث لا يقصدون غيره إلا أن يكون الكفيل عالما بحكم ظاهر المذهب قاصدا له فالأمر ظاهر




الخدمات العلمية