الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
قال ابن الجوزي في كتاب آداب النساء : واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر ، وكما يخاف على الرجل من ذلك يخاف على المرأة ، قال : وقد ذهب دين خلق كثير من المتعبدين بإطلاق البصر وما جلبه ، فليحذر من ذلك . انتهى .

وقال الشيخ موسى الحجاوي في شرح الآداب : وجدت في ظهر ورقة في كتاب أبياتا منظومة كأنها والله أعلم جواب سؤال رجل كان يعلم أولادا مردا فخاف أن تميل نفسه إليهم أو كادت تميل ، هذا ما وجدت :

أيا سائلا بالله إن كنت ذا تقى وترجو ثواب الله في جنة الخلد     فإياك والأحداث لا تقربنهم
ولا ترسلن الطرف فيهم على عمد     وإرسال طرف منك لا تحقرنه
ففي ضمنه سهم يفوق على الهند     فإنك إن أرسلت طرفك رئدا
تمتعه يا صاح بالناعم الخد     تبوء بإثم ثم تسلب أنعما
ثلاثا بهن الله يهدي إلى الرشد     حلاوة إيمان ونور فراسة
وثالثها إيمان ذي القوة الجلد     فما بعد ذا الخسران ربح فخلهم
يعلمهم ذو عفة حسن القصد     وناظمها يسمى ابن جمال أحمد
هو الحنبلي بالشكر يختم والحمد

( تنبيه ثان ) : قال الإمام المحقق في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين في قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن } : لما كان غض البصر أصلا لحفظ الفرج بدأ بذكره ، ولما كان تحريمه تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم يعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة لم يأمر سبحانه بغضه مطلقا ، بل أمر بالغض منه .

وأما حفظ الفرج فواجب بكل [ ص: 101 ] حال لا يباح إلا لحقه ، فلذلك عم الأمر بحفظه ، وقد جعل الله العين مرآة القلب ، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته ، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته . انتهى .

فالله الله في غض بصرك ليسلم لك دينك وآخرتك ، وأما ما يروجه الشعراء الفساق ، وينسبونه للأئمة من تزخرف الأشعار فباطل بالاتفاق ، كما يفهم من كلام المحقق في روضة المحبين ، والداء والدواء وغيرهما ، فمن ذلك ما ينسب للإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال :

يقولون لا تنظر وتلك بلية     ألا كل ذي عينين لا شك ناظر
وليس اكتحال العين بالعين ريبة     إذا عف فيما بين ذاك الضمائر

وأنه كتب إليه رجال في رقعة :

سل المفتي المكي هل في تزاور     بنظرة مشتاق الفؤاد جناح

فأجابه الشافعي :

معاذ إله العرش أن يذهب التقى     تلاصق أكباد بهن جراح

وأنه سئل أيضا بما لفظه :

أقول لمفتي خيف مكة والصفا     لك الخير هل في وصلهن حرام
وهل في صموت الحجل مهضومة الحشا     عذاب الثنايا أن لثمت حرام

فوقع الشافعي منها ما لفظه :

فقال لي المفتي وفاضت دموعه     على الخد من عين وهن توام
ألا ليتني قبلت تلك عشية     ببطن منى والمحرمون قيام

وأعجب من هذا ما زوروه على الإمام أحمد رضوان الله عليه مع علم كل أحد بجموده مع النص فقالوا :

سألت إمام الناس نجل بن حنبل     عن الضم والتقبيل هل فيه من باس
فقال إذا حل الغرام فواجب     لأنك قد أحييت عبدا من الناس

وما زوروه على أبي حنيفة :

كتبنا إلى النعمان يوما رسالة     نسائله عن لثم حب ممنع
فقال لنا لا إثم فيه وإنه     شهي إذا كانت لعشر وأربع

[ ص: 102 ] وعلى الإمام مالك رضي الله عنهم أجمعين :

إنا سألنا مالكا وقريبه      ليث بن سعد عن لثام الوامق
أيجوز قالا والذي خلق الورى     ما حرم الرحمن قبلة عاشق

فكل هذا وأمثاله من الترهات والتهورات كذب وزور ، من تخليق أهل الفسق والفجور ، وإن عظم قدر الناقل ، واطلع على جل المسائل وقد بين في روضة المحبين فساد جميع ذلك مما ذكرنا ومما لم نذكره بأضعاف مضاعفة ، وهو وإن كان فساده أظهر من فساد مسيلمة الكذاب ، فإني ذكرته خوفا من اعتقاد صحته ممن لا معرفة له بصحيح الأقاويل وسقيمها من الطلاب ، والله الموفق لطريق الصواب ، لا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه .

التالي السابق


الخدمات العلمية