الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 526 ]

                                71 - باب

                                445 457 - حدثنا عبد الله بن محمد: ثنا عثمان بن عمر: أبنا يونس، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب، أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: " يا كعب ! " قال: لبيك يا رسول الله. قال: " ضع من دينك هذا " وأومأ إليه، أي الشطر. قال: لقد فعلت يا رسول الله. قال: " قم فاقضه ".

                                التالي السابق


                                مقصود البخاري : الاستدلال بهذا الحديث على جواز تقاضي الغريم لغريمه في المسجد، ومطالبته بدينه، وملازمته له لطلب حقه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وسمعه ولم ينكره.

                                وهذا مما يعتضد به من يجيز البيع والشراء في المسجد، كما دل عليه تبويب البخاري في الباب الماضي.

                                ومن كره البيع فرق بينه وبين التقاضي بأن البيع في المسجد ابتداء لتحصيل المال فيه، وذلك يجعل المسجد كالسوق المعد للتجارة، واكتساب الأموال، والمساجد لم تبن لذلك، ولهذا قال عطاء بن يسار وغيره لمن رأوه يبيع في المسجد: عليك بسوق الدنيا، فهذا سوق الآخرة.

                                أما تقاضي الدين فهو حفظ مال له، وقد لا يتمكن من مطالبته إلا في المسجد، فهو في معنى حفظ ماله من الذهاب، وفي معنى التحاكم إلى الحاكم في المسجد، كما سبق ذكره.

                                [ ص: 527 ] وممن رخص في المطالبة لغريمه في المسجد: عطاء وابن جريج .

                                وفي إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وإيمائه إليه أن يضع الشطر: دليل على أن إشارة القادر على النطق في الأمور الدينية مقبولة كالفتيا ونحوها، وقد سبق ذكر ذلك في "كتاب العلم".

                                ولم يكن هذا من النبي صلى الله عليه وسلم حكما; لأنه لم يستوف شرائط الحكم من ثبوت الدين ونحوه، وإنما كان على وجه الإصلاح. والله أعلم.



                                الخدمات العلمية