الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2661 - وعن سالم ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما ، أنه كان يرمي جمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر إثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يسهل ، فيقوم مستقبل القبلة طويلا ، ويدعو ، ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى بسبع حصيات ، يكبر كلما رمى بحصاة ، ثم يأخذ بذات الشمال ، فيسهل ، ويقوم مستقبل القبلة ، ثم يدعو ، ويرفع يديه ، ويقوم طويلا ، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات ، يكبر عند كل حصاة ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله . رواه البخاري .

التالي السابق


2661 - ( وعن سالم ، عن ابن عمر ) : أي : أبيه ( أنه كان يرمي جمرة الدنيا ) : أي : البقعة القربى ، وهي الجمرة الأولى لأنها أقرب منازل النازلين عند مسجد الخيف ، وهناك كان مناخ النبي - صلى الله عليه وسلم - ( بسبع حصيات ) : في كل يوم من أيام التشريق ( يكبر على إثر كل حصاة ) : بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما ، أي : عقيب كل واحدة من الحصى ، وفي رواية " كل حصاة " وفي رواية " عند كل حصاة " وهو أعم ، والمراد بالمعية : خروج الجمرة من اليد ، فهو مع الرمي باعتبار الابتداء ، أو أثره باعتبار الانتهاء . قاله ابن الهمام - رحمه الله - . كذا روي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وكذا في حديث جابر وغيره ، وظاهر المرويات من ذلك الاقتصار على " الله أكبر " يعني وفي بعضها زيادة : بسم . [ ص: 1838 ] الله ، وفي بعضها رغما للشيطان ، ورضا للرحمن ، اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا ، وذنبا مغفورا . ( ثم يتقدم ) : أي : يذهب قليلا من ذلك الموضع ( حتى يسهل ) : بضم الياء ، وكسر الهاء ، أي : يدخل المكان السهل ، وهو اللين ضد الحزن بفتح الحاء وسكون الزاي أي : الصعب ( فيستقبل القبلة ) : وفي نسخة صحيحة : فيقوم مستقبل القبلة ، أي : حال كونه مقابل الكعبة ، وفي التعبير بالقبلة إشعار باعتبار الجهة ، ثم قوله ( فيقوم ) : مرفوع عطفا على " يتقدم " ( طويلا ) : أي : قياما ، أو زمانا طويلا ، وهما متلازمان ( ويدعو ) : أي : ( قدر ) سورة البقرة ، رواه البخاري . ( ويرفع يديه ) : خلافا لمالك ( ثم يرمي الوسطى ) : أي : الجمرة التي بين الأولى والأخرى ( بسبع حصيات ) . قال ابن الهمام : هل هذا الترتيب متعين ، أو أولى ؟ مختلف فيه ، والذي يقوى عندي استنان الترتيب لا تعيينه ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . أقول : والأحوط مراعاة الترتيب ؛ لأنه واجب عند الشافعي وغيره ، ثم الظاهر أن الموالاة سنة كما في الوضوء ، أو واجب وفق مذهب مالك - رحمه الله - هنالك ( يكبر كلما رمى بحصاة ) : ظاهره تأخير التكبير عن الرمي ، لكن يئول بما تقدم ( ثم يأخذ بذات الشمال فيسهل ) : أي : يذهب على شمال الجمرة الوسطى حتى يصل إلى موضع سهل ( ويقوم مستقبل القبلة ، ثم يدعو ، ويرفع يديه ، ويقوم طويلا ) كما تقدم ( ثم يرمي جمرة ذات العقبة ) : بإضافة الجمرة ( من بطن الوادي بسبع حصيات ) : في " الهداية " : لو رماها من فوق العقبة أجزأه ، إلا أنه خلاف السنة .

قال ابن الهمام : ففعله - عليه الصلاة والسلام - من أسفلها سنة لا أنه المتعين ، ولذا ثبت رمي خلق كثير من الصحابة من أعلاها ، ولم يأمرهم بالإعادة ، ولا أعلنوا بالنداء بذلك في الناس ، كما في الصحيح عن ابن مسعود أنه رمى جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ، فقيل له : إن ناسا يرمونها من فوقها ، فقال عبد الله : هذا والذي لا إله غيره مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة ، وكان وجه اختياره - عليه الصلاة والسلام - لذلك هو وجه اختياره حصى الخذف ، فإنه يتوقع الأذى إذا رموا من أعلاها لمن أسفلها ، فإنه لا يخلو من مرور الناس فيصيبهم ، بخلاف الرمي من أسفل مع المارين من فوقها اهـ .

ويؤيده جواز الرمي من الجوانب سائر الجهات ، مع أنه - عليه الصلاة والسلام - ما رمى إلا من جهة واحدة ( يكبر عند كل حصاة ، ولا يقف ) : أي : للدعاء ( عندها ) . قال ابن الهمام - رحمه الله : ولم تظهر حكمة تخصيص الوقوف والدعاء بغيرها من الجمرتين ، فإن تخايل أنه في اليوم الأول لكثرة ما عليه من الشغل كالذبح ، والحلق ، والإفاضة إلى مكة ، فهو منعدم فيما بعده من الأيام ، إلا أن يكون كون الوقوف يقع في جمرة العقبة في الطريق ، فيوجب قطع سلوكها على الناس وشدة ازدحام الواقفين ، ويفضي ذلك إلى ضرر عام بخلافه في باقي الجمار ، فإنه لا يقع في نفس الطريق ، بل بمعزل معتصم عنه ( ثم ينصرف ) : أي : ابن عمر ( فيقول : هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله . رواه البخاري ) : - رحمه الله - تعالى - .




الخدمات العلمية