الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5663 - حدثنا محمد بن النعمان قال : ثنا سعيد بن منصور قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا يونس بن عبيد ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يكره أن يشتري الرجل الأمة ، على أن لا يبيع ولا يهب .

                                                        فقد أبطل عمر - رضي الله عنه - ، بيع عبد الله ، وتابعه عبد الله على ذلك ، ولم يخالفه فيه .

                                                        وقد كان له خلافه ، أن لو كان يرى خلاف ذلك ، لأن ما كان من عمر ، لم يكن على جهة الحكم ، وإنما كان على جهة الفتيا .

                                                        وتابعتهما زينب ، امرأة عبد الله على ذلك ، ولها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحبة .

                                                        وتابعهم على ذلك ، عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - ، وقد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ما كان من قوله لعائشة - رضي الله تعالى عنها - في أمر بريرة ، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب .

                                                        فدل ذلك أن معناه ، كان عنده ، على خلاف ما حمله عليه الذين احتجوا بحديثه ، ولم نعلم أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير من ذكرنا ، ذهب في ذلك إلى غير ما ذهب إليه عمر ، ومن تابعه على ذلك ، ممن ذكرنا في هذه الآثار .

                                                        فكان ينبغي أن يجعل هذا أصلا وإجماعا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهم - ولا يخالف .

                                                        فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار .

                                                        [ ص: 48 ] وأما وجهه من طريق النظر ، فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه ، أن شروطا صحاحا ، قد تعقد في الشيء المبيع ، مثل الخيار إلى أجل معلوم ، للبائع وللمبتاع ، فيكون البيع على ذلك جائزا .

                                                        وكذلك الأثمان ، قد تعقد فيها آجال يشترطها المبتاع ، فتكون لازمة إذا كانت معلومة ويكون البيع بها مضمنا .

                                                        ورأينا ذلك الأجل ، لو كان فاسدا ، فسد بفساده البيع ، ولم يثبت البيع ، وينتفي هو إذا كان معقودا فيه .

                                                        فلما جعل البيع مضمنا بهذه الشرائط المشروطة في ثمنه ، في صحتها وفسادها ، فجعل جائزا بجوازها ، وفاسدا بفسادها ، ثم كان البيع إذا وقع على المبيع ، وكان عبدا ، على أن يخدم البائع شهرا ، فقد ملك البائع المشتري عبده على أن ملكه المشتري ألف درهم وخدمة العبد شهرا ، والمشتري حينئذ غير مالك للخدمة ، ولا للعبد ، لأن ملكه للعبد إنما يكون بعد تمام البيع ، فصار البيع واقعا بمال وبخدمة عبد ، لا يملكه المشتري في وقت ابتياعه بالمال ، وبخدمته ، وقد رأيناه لو ابتاع عبدا لخدمة أمة ، لا يملكها ، كان البيع فاسدا .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكون البيع أيضا كذلك إذا عقد لخدمة من لم يكن تقدم ملكه له قبل ذلك العقد ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قد نهى عن بيع ما ليس عندك .

                                                        ولما كانت الأثمان مضمنة بالآجال الصحيحة والفاسدة ، على ما قد ذكرنا ، كان كذلك الأشياء المثمونة ، أيضا المضمنة بالشرائط الفاسدة والصحيحة .

                                                        فثبت بذلك أن البيع ، لو وقع واشترط فيه شرط مجهول ، أن البيع يفسد بفساد ذلك الشرط على ما قد ذكرنا .

                                                        فقد انتفى قول من قال : " يجوز البيع ويبطل الشرط " وقول من قال : " يجوز البيع ، ويثبت الشرط " .

                                                        ولم يكن في هذا الباب قول غير هذين القولين ، وغير القول الآخر : " إن البيع يبطل إذا اشترط فيه ما ليس منه " .

                                                        فلما انتفى القولان الأولان ، ثبت هذا القول الآخر ، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن - رحمة الله عليهم أجمعين - .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية