الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : الاقتحام الدخول في الأمر الشديد يقال : قحم يقحم قحوما ، واقتحم اقتحاما وتقحم تقحما إذا ركب القحم ، وهي المهالك والأمور العظام والعقبة طريق في الجبل وعر ، الجمع العقب والعقاب ، ثم ذكر المفسرون في العقبة ههنا وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنها في الآخرة وقال عطاء : يريد عقبة جهنم ، وقال الكلبي : هي عقبة بين الجنة والنار ، وقال ابن عمر : هي جبل زلال في جهنى وقال مجاهد والضحاك : هي الصراط يضرب على جهنم ، وهو معنى قول الكلبي : إنها عقبة الجنة والنار ، قال الواحدي : وهذا تفسير فيه نظر لأن من المعلوم أن [ بني ] هذا الإنسان وغيره لم يقتحموا عقبة جهنم ولا جاوزوها ، فحمل الآية عليه يكون إيضاحا للواضحات ، ويدل عليه أنه لما قال : ( وما أدراك ما العقبة ) فسره بفك الرقبة وبالإطعام .

                                                                                                                                                                                                                                            الوجه الثاني : في تفسير العقبة هو أن ذكر العقبة ههنا مثل ضربه الله لمجاهدة النفس والشيطان في أعمال البر ، وهو قول الحسن ومقاتل : قال الحسن عقبة الله شديدة وهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه من شياطين الإنس والجن ، وأقول هذا التفسير هو الحق لأن الإنسان يريد أن يترقى من عالم الحس والخيال إلى يفاع عالم الأنوار الإلهية ولا شك أن بينه وبينها عقبات سامية دونها صواعق حامية ، ومجاوزتها صعبة والترقي إليها شديد .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أن في الآية إشكالا وهو أنه قلما توجد " لا " الداخلة على المضي إلا مكررة ، تقول : لا جنبني ولا بعدني قال تعالى : ( فلا صدق ولا صلى ) [ القيامة : 31 ] وفي هذه الآية ما جاء التكرير فما السبب فيه ؟ أجيب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الزجاج : إنها متكررة في المعنى لأن معنى ( فلا اقتحم العقبة ) فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بذلك ، وقوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) يدل أيضا على معنى ( فلا اقتحم العقبة ) ولا آمن .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال أبو علي الفارسي : معنى ( فلا اقتحم العقبة ) لم يقتحمها ، وإذا كانت " لا " بمعنى " لم " كان التكرير غير واجب كما لا يجب التكرير مع " لم " ، فإن تكررت في موضع نحو ( فلا صدق ولا صلى ) فهو كتكرر " ولم " : نحو ( لم يسرفوا ولم يقتروا ) [ الفرقان : 67 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قال القفال : قوله : ( فلا اقتحم العقبة ) أي هلا أنفق ماله فيما فيه اقتحام العقبة ؟ وأما الباقون فإنهم أجروا اللفظ على ظاهره وهو الإخبار بأنه ما اقتحم العقبة .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 168 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية