الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( والأرض وما طحاها ونفس وما سواها )

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( والأرض وما طحاها ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : إنما أخر هذا عن قوله : ( والسماء وما بناها ) لقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) [ النازعات : 30 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الليث : الطحو كالدحو وهو البسط ، وإبدال الطاء من الدال جائز ، والمعنى : وسعها . قال عطاء والكلبي : بسطها على الماء .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ونفس وما سواها ) إن حملنا النفس على الجسد ، فتسويتها تعديل أعضائها على ما يشهد به علم التشريح ، وإن حملناها على القوة المدبرة ، فتسويتها إعطاؤها القوى الكثيرة كالقوة السامعة والباصرة والمخيلة والمفكرة والمذكورة ، على ما يشهد به علم النفس ، فإن قيل : لم نكرت النفس ؟ قلنا : فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : أن يريد به نفسا خاصة من بين النفوس ، وهي النفس القدسية النبوية ، وذلك لأن كل كثرة ، فلا بد فيها من واحد يكون هو الرئيس ، فالمركبات جنس تحته أنواع ورئيسها الحيوان ، والحيوان جنس تحته أنواع ورئيسها الإنسان ، والإنسان أنواع وأصناف ورئيسها النبي . والأنبياء كانوا كثيرين ، فلا بد وأن يكون هناك واحد يكون هو الرئيس المطلق ، فقوله : ( ونفس ) إشارة إلى تلك النفس التي هي رئيسة لعالم المركبات رياسة بالذات .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يريد كل نفس ، ويكون المراد من التنكير التكثير على الوجه المذكور في قوله : ( علمت نفس ما أحضرت ) [ التكوير : 14 ] وذلك لأن الحيوان أنواع لا يحصي عددها إلا الله على ما قال بعد ذكر بعض الحيوانات : ( ويخلق ما لا تعلمون ) [ النحل : 8 ] ولكل نوع نفس مخصوصة متميزة [ ص: 175 ] عن سائرها بالفصل المقوم لماهيته والخواص اللازمة لذلك الفصل ، فمن الذي يحيط عقله بالقليل من خواص نفس البق والبعوض ، فضلا عن التوغل في بحار أسرار الله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية