الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 314 ] ويصح إقراره بما في يده من كسبه ، وكذا بموروثه في ظاهر الرواية ، كما يصح إقرار العبد .

التالي السابق


( قوله ويصح إقراره بما في يده من كسبه ) أورد عليه بأن الولاية المتعدية فرع الولاية القائمة ، والولي لا يملك الإقرار على مال الصبي فكيف يملكه الصبي بإذن الولي ؟ أجيب عنه في النهاية ومعراج الدراية بأن الولي إنما لا يملك ذلك ; لأنه لا يتحقق منه ; لأن الإقرار قول من المرء على نفسه ، وما يثبت على الغير بقوله فهو شهادة ، وإقرار الولي على الصغير قول على الغير فيكون شهادة وشهادة الفرد لا تكون حجة .

وأما قول الصبي بعد الإذن فهو إقرار منه على نفسه وهو من صنيع التجار ومما لا تتم التجارة إلا به ; لأن الناس إذا علموا أن إقراره لا يصح يتحرزون عن معاملته ، فإن من يعامله لا يتمكن من أن يشهد عليه شاهدين فلهذا جاز إقراره ا هـ . أقول : هذا الجواب لا يدفع السؤال المذكور ; لأن حاصله بيان علية عدم صحة إقرار الولي على الصبي وصحة إقرار الصبي بنفسه على مال نفسه ، وهذا مما لا يؤثر كما ترى في اندفاع الإيراد بأن الولاية المتعدية فرع الولاية القائمة ، وهاهنا لم تتحقق الولاية القائمة فكيف تتحقق الولاية المتعدية ؟ وكأن صاحب العناية تنبه لما في الجواب المزبور حيث لم يذكره بل قال بدله . والجواب أنه أفاده من حيث كونه من توابع التجارة والولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها ا هـ .

أقول : هذا الجواب أيضا غير مستقيم ; لأنه إذا أراد أن الولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها فيملك أيضا نفس التجارة وتوابعها التي من جملتها إقراره على مال الصبي فممنوع ، إذ لا شك أن إقرار الولي على مال الصبي ليس من توابع التجارة بل ليس مما يصح أصلا فأنى يملكه الولي . وإن أراد أن الولي يملك الإذن بالتجارة وتوابعها التي من [ ص: 315 ] جملتها إقرار الصبي على مال نفسه ، وإن لم يملك نفس الإقرار عليه فمسلم ، ولكن لا يجدي هذا شيئا في دفع السؤال المذكور ; لأن اللازم منه أن يملك الولي الإذن للصبي بالإقرار ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في أن تملك الصبي الإقرار على نفسه بإذن الولي ولاية متعدية من الولي إلى الصبي ، والولاية المتعدية فرع الولاية القائمة والولي لا يملك نفس الإقرار على الصبي بالإجماع فلم تكن له ولاية قائمة في حق نفس الإقرار على الصبي فكيف تتعدى منه الولاية إلى الصبي في حق ذلك . ولا يخفى أن حديث أن يملك الولي الإذن بالتجارة وتوابعها في أثناء الجواب عن هذا الإشكال يصير لغوا من الكلام . ثم أقول : لعل الصواب في الجواب منع كون ولاية الصبي ولاية متعدية ، إذ قد تقرر فيما مر أن الصبي يتصرف بأهليته والصبا ليس سبب الحجر لذاته بل لعدم هدايته ، وإذن الولي إنما يكون دليلا على زوال ذلك المانع كما كان البلوغ دليلا عليه لا أنه يكتسب الولاية من إذنه ، إلا أن الصبا لما كان من أسباب المرحمة بالحديث لم يؤهل الصبي أصلا لما هو ضار محض وأهل لما هو نفع محض قبل الإذن وبعده ، وأهل لما هو دائر بين النفع والضر بعد الإذن فقط ، والإقرار لما كان من توابع التجارة دار بين النفع والضر ، إذ من لا يقبل إقراره يحترز الناس عن معاملته فيتضرر به فأهل الصبي له بعد الإذن وكانت ولايته عليه ذاتية لا متعدية من الولي ، فتبصر فإن هذا توجيه حسن وجواب شاف تنحسم به مادة الإشكال بالكلية .




الخدمات العلمية