الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3082 حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي حدثنا بقية حدثنا عمارة ابن أبي الشعثاء حدثني سنان بن قيس حدثني شبيب بن نعيم حدثني يزيد بن خمير حدثني أبو الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ أرضا بجزيتها فقد استقال هجرته ومن نزع صغار كافر من عنقه فجعله في عنقه فقد ولى الإسلام ظهره قال فسمع مني خالد بن معدان هذا الحديث فقال لي أشبيب حدثك قلت نعم قال فإذا قدمت فسله فليكتب إلي بالحديث قال فكتبه له فلما قدمت سألني خالد بن معدان القرطاس فأعطيته فلما قرأه ترك ما في يده من الأرضين حين سمع ذلك قال أبو داود هذا يزيد بن خمير اليزني ليس هو صاحب شعبة

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( يزيد بن خمير ) : بالخاء المعجمة مصغرا ( بجزيتها ) : أي بخراجها لأن الخراج يلزم بشراء الأرض الخراجية . قال الخطابي : معنى الجزية هاهنا الخراج . ودلالة الحديث أن المسلم إذا اشترى أرضا خراجية من كافر فإن الخراج لا يسقط عنه ، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي إلا أنهم لم يروا فيما أخرجت من حب عشرا ، وقالوا لا يجتمع الخراج والعشر . وقال عامة أهل العلم : العشر عليه واجب فيما أخرجته الأرض من الحب إذا بلغ خمسة أوسق . انتهى .

                                                                      والخراج عند الشافعي على وجهين :

                                                                      أحدهما : جزية ، والآخر كراء وأجرة ، فإذا فتحت الأرض صلحا على أن أرضها لأهلها فما وضع عليها من خراج فمجراه مجرى الجزية التي تؤخذ من رءوسهم ، فمن أسلم منهم سقط ما عليه من الخراج كما يسقط ما على رقبته من الجزية ولزمه العشر فيما أخرجت أرضه ، وإن كان الفتح إنما وقع على أن الأرض للمسلمين ويؤدوا في كل سنة عنها شيئا والأرض للمسلمين وما يؤخذ منهم عنها فهو أجرة الأرض سواء من أسلم منهم أو أقام على كفره فعليه إذا ما اشترط عليه ، ومن باع منهم شيئا من تلك الأرضين فبيعه باطل لأنه باع ما لا يملكه ، وهذا سبيل أرض السواد عنده انتهى ( فقد استقال هجرته ) : أي أقرب ذلك من استقالة الهجرة ، وذلك أن المسلم إذا أخذ الأرض الخراجية من الذمي بيعا أو إجارة مثلا يلزمه خراج تلك الأرض ويكون قائما مقام الذمي في الأداء وراجعا إلى تلك الأرض بعد أن كان تاركا لها فيكون كالمستقل بهجرته لأن الهجرة عبارة عن ترك أراضي الكفر ( صغار كافر ) : بفتح الصاد المهملة أي ذله وهوانه ( ظهره ) : الضمير لمن . [ ص: 259 ] والمعنى : أي قرب من أن يولي ظهره إلى الإسلام وذلك لأن الكافر ذليل بأداء الخراج وإذا أخذ المسلم تلك الأرض منه رجع الذل إليه فيكون كما لو نزع الذل من عنقه ثم جعله في عنق نفسه ، والإسلام عزيز والكفر ذليل ، وإذا اختار المسلم الذل فقد ولى ظهره الإسلام .

                                                                      قال الشيخ العلامة الأردبيلي في الأزهار شرح المصابيح : الحديث فيه نهي عن شرى أرض الخراج من الذمي وغيره لما فيه من المذلة والمؤمن لا يذل نفسه وكذا الاستيجار .

                                                                      وقال العلماء : والأرض الخراجية أنواع : أحدها : أن يفتح الإمام بلدة قهرا ويقسمها بين الغانمين ثم يعوضهم ثمنها ويقفها على المسلمين ويضرب عليها خراجا كما فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق .

                                                                      والثاني : أن يفتح الإمام بلدة صلحا على أن تكون الأراضي لنا ويسكنها الكفار بالخراج ، فالأرض فيء والخراج أجرة لا يسقط بإسلامهم .

                                                                      والثالث : أن يفتحها صلحا على أن تكون الأراضي لهم ويسكنونها بالخراج ، فهذا الخراج جزية فيسقط بإسلامهم ، والحديث عند العلماء مشروح بهذا النوع ولم يختص به . انتهى .

                                                                      وفي الهداية : وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها . انتهى .

                                                                      قال البيهقي في المعرفة : وكان لابن مسعود ولخباب بن الأرت ولحسين بن علي ولشريح أرض الخراج . ثم روى بإسناده عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب إني اشتريت أرضا من أرض السواد ، فقال عمر أنت فيها مثل صاحبها .

                                                                      ثم أخرج من طريق قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال أسلمت امرأة من أهل بهز الملك ، فكتب عمر بن الخطاب : إن اختارت أرضها وأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها وإلا فخلوا بين المسلمين وبين أرضهم .

                                                                      ولفظ عبد الرزاق وابن أبي شيبة أن دهقانة من أهل بهز الملك أسلمت ، فقال عمر ادفعوا إليها أرضها يؤدي عنها الخراج وأخرجا أيضا عن زبير بن عدي أن دهقانا أسلم على [ ص: 260 ] عهد علي فقال علي إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك ، وإن تحولت عنها فنحن أحق بها . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر وعلي أنهما قالا : إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا خراجها انتهى

                                                                      ( قال ) : أي سنان بن قيس ( فإذا قدمت ) : أي إلى شبيب ( فسله ) : أي سل شبيبا عن هذا الحديث ( فليكتب ) : أي شبيب ( فكتب له ) : أي فكتب شبيب الحديث لخالد ( فلما قدمت ) : أي إلى خالد ( القرطاس ) : أي المكتوب ( هذا يزيد بن خمير إلخ ) حاصله أن يزيد بن خمير رجلان أحدهما اليزني بفتح التحتانية والزاي ثم نون الراوي عن أبي الدرداء ، والثاني الهمداني الزيادي صاحب شعبة ، فالمذكور في الإسناد هو الأول لا الثاني .

                                                                      قال المنذري : في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال .




                                                                      الخدمات العلمية