الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عجف ]

                                                          عجف : عجف نفسه عن الطعام يعجفها عجفا وعجوفا وعجفها : حبسها عنه وهو له مشته ليؤثر به غيره ولا يكون إلا على الجوع والشهوة ، وهو التعجيف أيضا ؛ قال سلمة بن الأكوع :


                                                          لم يغذها مد ولا نصيف ولا تميرات ولا تعجيف



                                                          قال ابن الأعرابي : التعجيف أن ينقل قوته إلى غيره قبل أن يشبع من الجدوبة ، والعجوف : ترك الطعام ، والتعجيف : الأكل دون الشبع ، والعجوف : منع النفس عن المقابح ، وعجف نفسه على المريض يعجفها عجفا : صبرها على تمريضه وأقام على ذلك ، وعجفت نفسي على أذى الخليل إذا لم تخذله ، وعجف نفسه على فلان بالفتح إذا آثره بالطعام على نفسه قال الشاعر :


                                                          إني وإن عيرتني نحولي     أو ازدريت عظمي وطولي
                                                          لأعجف النفس على الخليل     أعرض بالود وبالتنويل



                                                          أراد أعرض الود والتنويل ، كقوله تعالى : تنبت بالدهن ، وعجفت نفسي عنه عجفا إذا احتملت غيه ولم تؤاخذه ، وعجف نفسه يعجفها : حلمها ، والتعجيف : سوء الغذاء والهزال ، والعجف : ذهاب السمن والهزال ، وقد عجف بالكسر وعجف بالضم فهو أعجف وعجف والأنثى عجفاء وعجف بغير هاء والجمع منهما عجاف حملوه على لفظ سمان ، وقيل : هو كما قالوا : أبطح وبطاح وأجرب وجراب ولا نظير لعجفاء وعجاف إلا قولهم : حسناء وحسان ، كذا قول كراع وليس بقوي ; لأنهم قد كسروا بطحاء على بطاح وبرقاء على براق ، ومنعجف كعجف ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          صفر المباءة ذو هرسين منعجف     إذا نظرت إليه قلت : قد فرجا



                                                          قال الأزهري : وليس في كلام العرب أفعل وفعلاء جمعا على فعال غير أعجف وعجفاء ، وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا : سمان وعجاف ، وجاء أفعل وفعلاء على فعل يفعل في أحرف معدودة منها : عجف يعجف ، فهو أعجف ، وأدم يأدم فهو آدم ، وسمر يسمر فهو أسمر ، وحمق يحمق فهو أحمق ، وخرق يخرق فهو أخرق ، وقال الفراء : عجف وعجف وحمق وحمق ورعن ورعن وخرق وخرق ، قال الجوهري : جمع أعجف وعجفاء من الهزال عجاف على غير قياس ; لأن أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال ولكنهم بنوه على سمان ، والعرب قد تبني الشيء على ضده [ ص: 46 ] كما قالوا عدوة بناء على صديقة ، وفعول إذا كان بمعنى فاعل لا تدخله الهاء ، قال مرداس بن أدية :


                                                          وإن يعرين إن كسي الجواري     فتنبو العين عن كرم عجاف



                                                          وأعجفه ، أي : هزله ، وقوله تعالى : يأكلهن سبع عجاف ، هي الهزلى التي لا لحم عليها ولا شحم ضربت مثلا لسبع سنين لا قطر فيها ولا خصب ، وفي حديث أم معبد : يسوق أعنزا عجافا جمع عجفاء ، وهي المهزولة من الغنم وغيرها ، وفي الحديث : حتى إذا أعجفها ردها فيه ، أي : أهزلها ، وسيف معجوف إذا كان داثرا لم يصقل قال كعب بن زهير :


                                                          وكأن موضع رحلها من صلبها     سيف تقادم عهده معجوف



                                                          ونصل أعجف ، أي : رقيق ، والتعجف : الجهد وشدة الحال قال معقل بن خويلد :


                                                          إذا ما ظعنا فانزلوا في ديارنا     بقية من أبقى التعجف من رهم



                                                          وربما سموا الأرض المجدبة عجافا ؛ قال الشاعر يصف سحابا :


                                                          لقح العجاف له لسابع سبعة     فشربن بعد تحلئ فروينا



                                                          هكذا أنشده ثعلب والصواب بعد تحلؤ ، يقال : أنبتت هذه الأرضون المجدبة لسبعة أيام بعد المطر ، والعجف : غلظ العظام وعراؤها من اللحم ، وتقول العرب : أشد الرجال الأعجف الضخم ، ووجه عجف وأعجف : كالظمآن ، ولثة عجفاء : ظمأى ، قال :


                                                          تنكل عن أظمى اللثاث صاف     أبيض ذي مناصب عجاف



                                                          وأعجف القوم : حبسوا أموالهم من شدة وتضييق ، وأرض عجفاء : مهزولة ، ومنه قول الرائد : وجدت أرضا عجفاء وشجرا أعشم ، أي : قد شارف اليبس والبيود ، والعجاف : التمر ، وبنو العجيف : بطن من العرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية