الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 166 ] ولما كان لفظ "القيام" يتضمن القوة والثبات ، وقد يتضمن مع قيام الشيء بنفسه إقامته لغيره ، خص لفظ "القوم" بالرجال دون النساء ، فلا تسمى النساء بانفرادهن "قوما" ، ولكن قد يدخلن في اللفظ تبعا . قال تعالى : لا يسخر قوم من قوم . . . ولا نساء من نساء ، فإنه قال : الرجال قوامون على النساء . ومنه قول الناظم :


وما أدري وظني كل ظن أقوم آل حصن أم نساء



ولما كان "القيام" يقتضي الثبات -وهو ضد الزوال- قال : ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ، وقال : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا . وهو يقتضي الاعتدال مع الثبات ، وهو خلقهما معتدلتين كما قال : فسواهن سبع سماوات ، وقال : ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت . والعدل لازم في كل مخلوق ، ومأمور به كل أحد ، كما قد بسط في قوله : الذي خلق فسوى .

ولما في لفظ "القيام" من العدل سمي ما يساوي المبيع : قيمة [ ص: 167 ] عدل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من أعتق شركا له في عبد ، وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد ، قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ، فأعطي شركاؤه وعتق عليه العبد" .

وكذلك يسمى تعديل الحساب تقويما ، فإذا جمعت حركة الشمس والقمر وغيرهما السريعة والبطيئة ، وأحد يعدل ذلك ، سمي ذلك تعديلا وتقويما ، ويسمى ما يكتب فيه ذلك تقويما ، كما يصنع بالمكان إذا أخذ مغله في إقباله وإدباره ، فإنه يوجد معدل ذلك ، ويقوم باعتبار ذلك .

ويقال : قامت السوق ، إذا حصل فيها التبايع بالتراضي الذي هو أصل العدل ، ولا بد أن يبقى ذلك زمنا ، ففي قيام السوق معنى العدل والثبات ، قال الشاعر :


أقامت سوقها عشرين عاما



ومنه قوله تعالى : إلا ما دمت عليه قائما ، أي يقوم عليه كما يقوم القيم على ما يقوم عليه وإن كان جالسا معه . والإقامة أبلغ من القيام ، فإن فيها زيادة الهمزة والزيادة لزيادة المعنى ، وهي تقتضي من الثبات والدوام أبلغ مما يدل عليه لفظ القيام . والمقام بالمكان هي السكنى فيه واستيطانه ، والمقيم خلاف المسافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية