الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن نقص في يده ضمن النقصان ) ; لأنه يدخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب ، فما تعذر رد عينه يجب رد قيمته ، [ ص: 328 ] بخلاف تراجع السعر إذا رد في مكان الغصب ; لأنه عبارة عن فتور الرغبات دون فوت الجزء ، وبخلاف المبيع ; لأنه ضمان عقد . أما الغصب فقبض والأوصاف تضمن بالفعل لا بالعقد على ما عرف . قال رضي الله عنه : ومراده غير الربوي ، أما في الربويات لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل ; لأنه يؤدي إلى الربا . .

التالي السابق


( قوله وإن نقص في يده ضمن النقصان ; لأنه يدخل جميع أجزائه في ضمانه بالغصب ، فما تعذر رد عينه يجب رد قيمته ) أقول : في هذا التعليل قصور ، إذ قد صرح في عامة الشروح بأن مسألتنا هذه تعم ما كان النقصان في بدن المغصوب مثل أن كان جارية فاعورت أو ناهدة الثديين فانكسر ثديها ، وما كان في غير بدنه مثل أن كان عبدا محترفا فنسي الحرفة ، ولا يخفى أن التعليل المذكور لا يتمشى في الصورة الثانية ; لأن النقصان [ ص: 328 ] فيها من حيث الأوصاف دون الأجزاء . فالأولى في التعليل أن يقال : لأنه يدخل جميع أجزائه وأوصافه في ضمانه بالغصب فإنه أوفى بالصورتين معا وأوفق لقوله الآتي : وبخلاف المبيع ; لأنه ضمان عقد ، أما الغصب فقبض ، والأوصاف تضمن بالفعل لا بالعقد على ما عرف تأمل تقف ( قوله ومراده غير الربوي ، أما في الربويات لا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل ; لأنه يؤدي إلى الربا ) يعني أن مراد القدوري بقوله وإن نقص في يده ضمن النقصان غير الربوي ، وأما في الربويات : أي في الأموال الربوية التي لا يجوز بيعها بجنسها متفاضلا فلا يمكن للمالك تضمين النقصان في الوصف مع استرداد الأصل ; لأنه يؤدي إلى الربا ، هذا فحوى كلامه .

أقول : لقائل أن يقول : عدم إمكان ذلك مسلم فيما إذا كان نقصان الربويات في الأوصاف كما إذا غصب حنطة تعفنت في يده ، إذ لا اعتبار للتفاوت في الوصف عندنا في الأموال الربوية فيؤدي تضمين النقصان في الوصف مع استرداد الأصل إلى الربا لا محالة ، وأما فيما إذا كان نقصانها في الأجزاء كما إذا غصب كيليا أو وزنيا فتلف بعض أجزائه فنقص قدره كيلا أو وزنا فيمكن لصاحب المال تضمين النقصان مع استرداد الباقي من الأصل بلا تأد إلى الربا أصلا كما لا يخفى ، فما معنى تخصيص مراد القدوري بغير الربوي ، والقول بعدم إمكان تضمين النقصان مع استرداد الأصل في الربويات مطلقا فتأمل .

وقال صاحب العناية في شرح هذا المقام : قال المصنف : ومراده أي مراد القدوري بقوله وإن نقص في يده ضمن النقصان غير الربوي ، أما في الربويات كما إذا غصب حنطة فعفنت عنده أو إناء فضة فانهشم في يده فلا يمكنه تضمين النقصان مع استرداد الأصل ; لأنه يؤدي إلى الربا ، لكن صاحبه بالخيار إن شاء أخذ ذلك بعينه ولا شيء له غيره ، وإن شاء تركه وضمنه مثله ، إلى هنا كلامه . أقول : تقرير صاحب العناية هاهنا وإن كان مطابقا لما ذكر في الكافي وما ذكر في النهاية نقلا عن الإيضاح إلا أنه منظور فيه عندي .

أما أولا فلأنه قد صرح في شروح الهداية فيما مر حتى العناية نفسها [ ص: 329 ] وفي سائر المعتبرات أيضا بأن الوزني الذي في تبعيضه مضرة كالمصوغ من القمقم والطست ليس بمثلي بل هو من ذوات القيم ، ولا شك أن إناء فضة من ذلك القبيل فكيف يتم تمثيل الربويات هاهنا بإناء فضة انهشم في يده . وأما ثانيا فلأنه كيف يصح قوله وإن شاء تركه وضمنه مثله ، وتضمين المثل إنما يتصور في المثليات دون ذوات القيم التي منها إناء فضة على مقتضى ما صرحوا به كما مر آنفا ، فلعل الحق في حكم غصب إناء فضة إذا نقص في يده ما نقله صاحب العناية عن مختصر الشيخ أبي الحسن الكرخي من أن صاحبه بالخيار إن شاء أخذه بعينه ولا شيء له غير ذلك ، وإن شاء ضمنه قيمته من الذهب ، وعبارة الكرخي هكذا : وإن كان الإناء فضة فهو بالخيار ، إن شاء أخذه بعينه ولا شيء له غير ذلك ، وإن شاء ضمنه قيمته من الذهب ، وكذلك إن كان الإناء من ذهب فهو بالخيار ، إن شاء أخذه بعينه ، وإن شاء أخذ قيمته من الفضة انتهت .

ونقل صاحب النهاية مثل ذلك عن المبسوط بطريق التفصيل ، غير أن الواقع فيه قلب فضة بدل إناء فضة حيث قال . وفي المبسوط : وإن استهلك قلب فضة فعليه قيمته من الذهب مصوغا عندنا ، وعند الشافعي يضمن قيمته من جنسه بناء على أصله أن للجودة والرداءة والصنعة في الأموال الربوية قيمة ، وعندنا لا قيمة لها عند المقابلة بجنسها ، فلو أوجبنا مثل قيمتها من جنسها أدى إلى الربا ، أو لو أوجبنا مثل وزنها كان فيه إبطال حق المغصوب منه عن الجودة والصنعة ، فلمراعاة حقه والتحرز عن الربا قلنا يضمن القيمة من الذهب مصوغا ا هـ




الخدمات العلمية