الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال

                                                                                                          2778 حدثنا سويد حدثنا عبد الله أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن نبهان مولى أم سلمة أنه حدثه أن أم سلمة حدثته أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة قالت فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا يونس بن يزيد ) الأيلي ( عن نبهان ) المخزومي مولاهم ، كنيته أبو يحيى المدني مكاتب أم سلمة ، مقبول من الثالثة .

                                                                                                          قوله : ( أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة ) بالرفع عطفا على المستتر في كانت وسوغه الفعل ، وتروى منصوبة عطفا على اسم أن ومجرورة عطفا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكره القاضي . وقال الطيبي : الأوجه العطف على اسم أن ليشعر بأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في بيت أم سلمة وميمونة داخلة عليها ; [ ص: 51 ] لأن تأخير المعطوف وإيقاع الفصل يدل على أصالة الأولى وتبعية الثانية كقوله تعالى : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل أوقع الفصل ليدل على أن إسماعيل تابع له في الرفع ، ولو عطف من غير فصل أوهم الشركة ( أقبل ابن أم مكتوم ) وهو الذي نزل فيه : أن جاءه الأعمى ( فدخل عليه ) أي على رسول الله ( أفعمياوان ) تثنية عمياء ، تأنيث أعمى ( ألستما تبصرانه ) قيل فيه تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي مطلقا ، وبعض خصه بحال خوف الفتنة عليها جمعا بينه وبين قول عائشة : كنت أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد ، ومن أطلق التحريم قال : ذلك قبل آية الحجاب ، والأصح أنه يجوز نظر المرأة إلى الرجل فيما فوق السرة وتحت الركبة بلا شهوة وهذا الحديث محمول على الورع والتقوى . قال السيوطي رحمه الله : كان النظر إلى الحبشة عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة ، وذلك بعد الحجاب فيستدل به على جواز نظر المرأة إلى الرجل . انتهى .

                                                                                                          وبدليل أنهن كن يحضرن الصلاة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال ، فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلى ولأنه أمرت النساء بالحجاب عن الرجال ، ولم يؤمر الرجال بالحجاب كذا في المرقاة . وقال أبو داود في سننه بعد رواية حديث أم سلمة هذا ما لفظه : هذا لأزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة ، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم . قد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لفاطمة بنت قيس : اعتدي عند ابن أم مكتوم . فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده . انتهى . وقال الحافظ في التلخيص : هذا جمع حسن ، وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا . انتهى . وقال في الفتح : الأمر بالاحتجاب من ابن مكتوم ، لعلمه بكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به ، فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا .

                                                                                                          قال : ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار ، منتقبات لئلا يراهن الرجال ، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء . فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث : أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان ، مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي ، وأكثر ما علل به [ ص: 52 ] انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة . فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ، ولم يجرحه أحد لا ترد روايته .




                                                                                                          الخدمات العلمية