الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يطالب كفيل ) أصيلا ( بمال قبل أن يؤدي ) الكفيل ( عنه ) لأن تملكه بالأداء ، نعم للكفيل أخذ رهن من الأصيل قبل أدائه خانية ( فإن لوزم ) الكفيل ( لازمه ) أي بلازم هو الأصيل أيضا حتى يخلصه [ ص: 316 ] ( وإذا حبسه له حبسه ) هذا إذا كفل بأمره ولم يكن على الكفيل للمطلوب دين مثله وإلا فلا ملازمة ولا حبس سراج .

وفي الأشباه أداء الكفيل يوجب براءتهما للطالب [ ص: 317 ] إلا إذا أحاله الكفيل على مديونه وشرط براءة نفسه فقط ( وبرئ ) الكفيل ( بأداء الأصيل ) إجماعا إلا إذا برهن على أدائه قبل الكفالة فيبرأ فقط كما لو حلف بحر .

التالي السابق


( قوله : لأن تملكه بالأداء ) أي تملك الكفيل الدين إنما يثبت له بالأداء لا قبله فإذا أداه يصير كالطالب كما قررناه آنفا فحينئذ يثبت له حبس المطلوب .

( قوله : نعم للكفيل أخذ رهن إلخ ) يعني لو دفع الأصيل إلى الكفيل رهنا بالدين فله أخذه ، والأولى في التعبير أن يقال [ ص: 316 ] نعم للأصيل دفع رهن للكفيل لئلا يوهم لزوم الدفع على الأصيل بطلب الكفيل ، وقد تبع الشارح في هذا التعبير صاحب البحر أخذا من عبارة الخانية مع أنها إنما تفيد ما قلنا فإنه قال فيها : ذكر في الأصل أنه لو كفل بمال مؤجل على الأصيل فأعطاه المكفول عنه رهنا بذلك جاز ، ولو كفل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطاه المكفول عنه بالمال رهنا إلى سنة كان الرهن باطلا ; لأنه لم يجب المال للكفيل على الأصيل بعد ، وكذا لو قال إن مات فلان ولم يؤدك فهو علي ثم أعطاه المكفول عنه رهنا لم يجز .

وعن أبي يوسف في النوادر يجوز ا هـ .

( قوله : وإذا حبسه له حبسه ) في حاشية المنح للرملي .

أقول : سيأتي في كتاب القضاء من بحث الحبس أن المكفول له يتمكن من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا هـ . مطلب فيما يبرأ به الكفيل عن المال .

( قوله : هذا إذا كفل بأمره إلخ ) تقييد لقول المصنف فإن لوزم لازمه إلخ ، وقيده أيضا في البحر بحثا بما إذا كان المال حالا على الأصيل كالكفيل وإلا فليس له ملازمته ا هـ ، وقيده في الشرنبلالية أيضا بما إذا لم يكن المطلوب من أصول الطالب ، فلو كان أباه مثلا ليس له حبس الكفيل لما يلزم من فعل ذلك بالمطلوب وهو ممتنع ، أي لأنه لا يحبس الأصل بدين فرعه ، وإذا امتنع اللازم امتنع الملزوم .

واعترضه السيد أبو السعود بمنع الملازمة وبأنه مخالف للمنقول في القهستاني فلا يعول عليه وإن تبعه بعضهم ا هـ .

قلت : وعبارة القهستاني : وإن حبس حبس هو المكفول عنه إلا إذا كان كفيلا عن أحد الأبوين أو الجدين فإنه إن حبس لم يحبسه به يشعر قضاء الخلاصة ا هـ ولا يخفى أن المتبادر من هذه العبارة ما إذا كان الطالب أجنبيا والمطلوب : أي المدين أصلا للكفيل لا للطالب ، وهذا غير ما في الشرنبلالية ، وهو ما إذا كان المطلوب أصلا للطالب لا للكفيل ، فما في الشرنبلالية تقييد لقولهم إن للطالب حبس الكفيل ، وما في القهستاني تقييد لقولهم للكفيل حبس المكفول إذا حبس : أي إذا كان المكفول أصلا للكفيل فللطالب الأجنبي حبس الكفيل وليس للكفيل إذا حبس أن يحبس المكفول لكونه أصله ، بخلاف ما إذا كان المكفول أصلا للطالب فإنه ليس للطالب حبس الكفيل ; لأنه يلزم من حبسه له أن يحبس هو المكفول فيلزم حبس الأصل بدين فرعه .

وقد ذكر ذلك الشرنبلالي في رسالة خاصة ، وذكر فيها أنه سئل عن هذه المسألة ولم يجد فيها نقلا ، وحقق فيها ما ذكرناه ، لكن ذكرالخير الرملي في حاشية البحر في باب الحبس من كتاب القضاء أنه وقع الاستفتاء عن هذه المسألة .

ثم قال : للكفيل حبس المكفول الذي هو أصل الدائن ; لأنه إنما حبس لحق الكفيل ، ولذلك يرجع عليه بما أدى فهو محبوس بدينه ، فلم يدخل في قولهم لا يحبس أصل في دين فرعه ; لأنه إنما حبسه أجنبي فيما ثبت له عليه ا هـ ملخصا ، ومفاده أن للطالب الذي هو فرع المكفول حبس الكفيل الأجنبي ; لأن الكفيل لا يحبس المكفول ما لم يحبسه الطالب ، ولا يخفى أن المكفول إنما يحبس بدين الطالب حقيقة فيلزم حبس الأصل بدين فرعه وإن كان الحابس له مباشرة غير الفرع ، نعم يظهر ما ذكره الخير الرملي على القول بأن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في الدين ، لكن علمت أن الكفيل لا يملك الدين قبل الأداء فبقي الدين للطالب ولزم المحذور ، والله سبحانه أعلم فافهم .

( قوله : يوجب براءتهما ) أي براءة الكفيل والأصيل وقوله للطالب قيل متعلق بأداء . [ ص: 317 ]

قلت : وفيه بعد ، والأظهر تعلقه بمحذوف على أنه حال من براءة : أي منتهية إلى الطالب على أن اللام بمعنى إلى ، ونظيره قوله الآتي برئت إلى فافهم .

( قوله : إلا إذا أحاله ) فإن الحوالة كما يأتي نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فهو في حكم الأداء فصح الاستثناء فافهم .

( قوله : وشرط براءة نفسه فقط ) فحينئذ يبرأ الكفيل دون الأصيل وللطالب أخذ الأصيل أو المحال عليه بدينه ما لم ينو المال على المحال عليه ، وبدون هذا الشرط يبرأ الأصيل أيضا ; لأن الدين عليه والحوالة حصلت بأصل الدين فتضمنت براءتهما كما في البحر عن السراج .

( قوله : وبرئ الكفيل بأداء الأصيل ) وكذا يبرأ لو شرط الدفع من وديعة فهلكت .

ففي الكافي : لو كفل بألف عن فلان على أن يعطيها إياه من وديعة لفلان عنده جاز ، فإن هلكت الوديعة فلا ضمان على الكفيل ا هـ .

وفيه أيضا في باب بطلان المال عن الكفيل بغير أداء ولا إبراء لو كفل عن رجل بالثمن فاستحق المبيع من يده أو رده بعيب ولو بلا قضاء أو بإقالة أو بخيار رؤية أو بفساد البيع برئ الكفيل ، وكذا لو بطل المهر أو بعضه عن الزوج بوجه برئ مما بطل عن الزوج أو ضمن المشتري الثمن لغريم البائع فاستحق المبيع من يد المشتري بطلت الكفالة أيضا وكذلك الحوالة أما لو رده المشتري بعيب ولو بلا قضاء لم يبرأ الكفيل ويرجع به على البائع ، وكذا لو هلك المبيع قبل التسليم أو ضمن الزوج مهر المرأة لغريمها ثم وقعت بينهما فرقة من قبله أو من قبلها لم يبطل الضمان وتمامه فيه .

( قوله : إلا إذا برهن ) أي الأصيل على أدائه قبل الكفالة فيبرأ : أي الأصيل فقط أي دون الكفيل ; لأنه أقر بهذه الكفالة أن الألف على الأصيل ، وبهذا يظهر أن الاستثناء منقطع ، لما في البحر من أن هذا ليس من البراءة ، وإنما تبين أن لا دين على الأصيل ، والكفيل عومل بإقراره ، أي لأن البينة لما قامت على الأداء قبل الكفالة علم أن ما كفل به الكفيل غير هذا الدين ، بخلاف ما إذا برهن أنه قضاه بعد الكفالة ، ففي البحر أنهما يبرآن .

( قوله : بحر ) صوابه نهر .

فإنه نقل عن القنية براءة الأصيل إنما توجب براءة الكفيل إذا كانت بالأداء أو الإبراء ، فإن كانت بالحلف فلا ; لأن الحلف يفيد براءة الحالف فحسب ا هـ ، والظاهر أنه مصور فيما إذا كانت الكفالة بغير أمره ، وإلا فقوله : اكفل عني لفلان بكذا إقرار بالمال لفلان كما في الخانية وغيرها ، وحينئذ فإذا ادعى عليه المال فأنكر وحلفه برئ وحده ، وإنما قلنا كذلك ; لأنه لو ادعى الأصيل الأداء فعليه البينة لا اليمين تأمل .




الخدمات العلمية