الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو أبرأ ) الطالب ( الأصيل أو أخر عنه ) أي أجله ( برئ الكفيل ) تبعا للأصيل إلا كفيل النفس [ ص: 318 ] كما مر ( وتأخر ) الدين ( عنه ) تبعا للأصيل إلا إذا صالح المكاتب عن قتل العمد بمال ثم كفله إنسان ثم عجز المكاتب تأخرت مطالبة المصالح إلى عتق الأصيل ، وله مطالبة الكفيل الآن أشباه ( ولا ينعكس ) لعدم تبعية الأصل للفرع نعم لو تكفل بالحال مؤجلا تأجل عنهما ; لأن تأجيله على الكفيل تأجيل عليهما ، وفيه يشترط قبول الأصيل الإبراء [ ص: 319 ] والتأجيل لا الكفيل إلا إذا وهبه أو تصدق عليه درر .

قلت : وفي فتاوى ابن نجيم : أجله على الكفيل يتأجل عليهما ، وعزاه للحاوي القدسي فليحفظ

التالي السابق


( قوله : ولو أبرأ الطالب الأصيل إلخ ) محل براءة الكفيل بإبراء الطالب الأصيل إذا لم يكفل بشرط براءة الأصيل فإن كفل كذلك برئ الأصيل دون الكفيل ; لأنها حوالة ط ، ولو قال ولو برئ الأصيل لشمل ما في الخانية لو مات الطالب والأصيل وارثه برئ الكفيل أيضا ا هـ بحر .

( قوله : برئ الكفيل ) بشرط قبول الأصيل ، وموته قبل القبول والرد يقوم مقام القبول ، ولو رده ارتد وهل يعود الدين على الكفيل أم لا ؟ خلاف كذا في الفتح نهر .

وفي التتارخانية عن المحيط : لا ذكر لهذه المسألة في شيء من الكتب .

واختلف المشايخ ، فمنهم من قال لا يبرأ الكفيل أي برد الأصيل الإبراء كما في رد الهبة ، ومنهم من قال يبرأ الكفيل ا هـ .

قال في الفتح : وهذا بخلاف الكفيل فإنه إذا أبرأه صح وإن لم يقبل ، ولا يرجع على الأصيل ولو كان إبراء الأصيل أو هبته أو التصدق عليه بعد موته فعند أبي يوسف القبول والرد للورثة ، فإن قبلوا صح ، وإن ردوا ارتد .

وقال محمد : لا يرتد بردهم كما لو أبرأهم [ ص: 318 ] في حال حياته ثم مات وهذا يختص بالإبراء ا هـ .

( قوله : كما مر ) أي قبيل الكفالة بالمال .

( قوله : وتأخر الدين عنه ) مرتبط بقوله أو أخر عنه ، وشمل كفيل الكفيل ، فإذا أخر الطالب عن الأصيل تأخر عن الكفيل وكفيله ، وإن أخره عن الكفيل الأول تأخر عن الثاني أيضا لا عن الأصيل كما في الكافي ، وشرطه أيضا قبول الأصيل ، فلو رده ارتد كما أفاده الفتح .

( قوله : تأخرت مطالبة المصالح ) مصدر مضاف إلى مفعوله والمراد به المكاتب والفاعل ولي القتيل أو إلى فاعله ، والمراد به الولي والمفعول المكاتب فإن المصالحة مفاعلة من الطرفين ، وهذا أولى لئلا يلزم الإظهار في مقام الإضمار فافهم ، ومثل هذه المسألة ما لو كفل العبد المحجور بما لزمه بعد عتقه فإن المطالبة تتأخر عن الأصيل إلى عتقه ويطالب كفيله للحال ، لكن في هذين الفرعين تأخر لا بتأخير الطالب فلم يدخلا في كلام المصنف كما أفاده في البحر والنهر .

( قوله : ولا ينعكس ) أي لو أبرأ الكفيل أو أخر عنه أي أجله بعد الكفالة بالمال حالا لا يبرأ الأصيل ولا يتأخر عنه .

قال في النهر : وإذا لم يبرأ الأصيل لم يرجع عليه الكفيل بشيء ، بخلاف ما لو وهبه الدين أو تصدق عليه به حيث يرجع ا هـ .

( قوله : نعم لو تكفل بالحال مؤجلا إلخ ) أفاد أنه لو كان مؤجلا على الأصيل فكفل به تأخر عنهما بالأولى وإن لم يسم الأجل في الكفالة كما صرح به في الكافي وغيره .

( قوله : لأن تأجيله على الكفيل تأجيل عليهما ) هذا التعليل غير تام ، فإن العلة كما في الفتح هي أن الطالب ليس له حال الكفالة حق يقبل التأجيل إلا الدين فبالضرورة يتأجل عن الأصيل بتأجيل الكفيل ، أما في مسألة المتن وهي ما إذا كانت الكفالة ثابتة قبل التأجيل ، فقد تقرر حكمها وهو المطالبة ثم طرأ التأجيل عن الكفيل فينصرف إلى ما تقرر عليه بها وهو المطالبة .

[ تنبيه ] ما ذكره الشارح تبعا للهداية وغيرها من أنه يتأجل عليهما يستثنى منه ما إذا أضاف الكفيل الأجل إلى نفسه ، بأن قال أجلني أو شرط الطالب وقت الكفالة الأجل للكفيل خاصة فلا يتأخر الدين حينئذ عن الأصيل كما ذكره في الفتاوى الهندية . ونقل ط عبارتها .

مطلب لو كفل بالقرض مؤجلا تأجل عن الكفيل دون الأصيل

ويستثنى أيضا ما لو كفل بالقرض مؤجلا إلى سنة مثلا فهو على الكفيل إلى الأجل وعلى الأصيل حال كما في البحر عن التتارخانية معزيا إلى الذخيرة والغياثية .

ثم نقل خلافه عن تلخيص الجامع من شموله للقرض وأن هذا هو الحيلة في تأجيل القرض ، وسيذكره الشارح آخر الباب .

قلت : لكن رده العلامة الطرسوسي في أنفع الوسائل بأن هذا إنما قاله الحصيري في شرح الجامع ، وكل الكتب تخالفه فلا يلتفت إليه ، ولا يجوز العمل به ، وقدمنا تمام الكلام عليه قبيل فصل القرض ، ويؤيده أن الحاكم الشهيد في الكافي صرح بأنه لا يتأخر عن الأصيل وكفى به حجة .

( قوله : وفيه ) متعلق بقوله يشترط والضمير المجرور عائد إلى قول المتن ولو أبرأ الأصيل إلخ ، ولو أسقط لفظة فيه لكان أوضح .

وعبارة الدرر هكذا أبرأ الطالب الأصيل إن قبل برئا أي الأصيل والكفيل معا أو أخره عنه تأخر عنهما بلا عكس فيهما ، ولو أبرأ الكفيل فقط برئ ، وإن لم يقبل إذ لا دين عليه ليحتاج إلى القبول بل عليه المطالبة وهي تسقط بالإبراء ، ولو وهب الدين له : أي للكفيل إن كان غنيا ، أو تصدق عليه إن كان فقيرا يشترط القبول كما هو حكم الهبة والصدقة وهبة الدين لغير من عليه الدين [ ص: 319 ] تصح إذا سلط عليه والكفيل مسلط على الدين في الجملة ، كذا في الكافي وبعده له الرجوع على الأصيل ا هـ ، وضمير بعده للقبول .

وحاصله أن حكم الإبراء والهبة في الكفيل مختلف ، ففي الإبراء لا يحتاج إلى القبول وفي الهبة والصدقة يحتاج وفي الأصيل متفق ، فيحتاج إلى القبول في الكل ، وموته قبل القبول ، والرد كالقبول شرنبلالية ، ولم يذكر حكم الرد وأفاد في الفتح أن الإبراء والتأجيل يرتدان برد الأصيل .

وأما الكفيل فلا يرتد برده الإبراء بل التأجيل : والفرق أن الإبراء إسقاط محض في حق الكفيل ليس فيه تمليك مال ; لأن الواجب عليه مجرد المطالبة ، والإسقاط المحض لا يحتمل الرد لتلاشي الساقط ، بخلاف التأخير لعوده بعد الأجل ، فإذا عرف هذا ، فإن لم يقبل الكفيل التأخير أو الأصيل فالمال حال يطالبان به للحال ا هـ وقدمنا تمام الكلام عليه .

[ تنبيه ] نقل في البحر عند قوله وبطل تعليق البراءة عن الهداية مثل ما هنا من أن إبراء الكفيل لا يرتد بالرد ، بخلاف إبراء الأصيل .

ثم نقل عن الخانية : لو قال للكفيل أخرجتك عن الكفالة فقال الكفيل لا أخرج لم يصر خارجا .

ثم قال في البحر : فثبت أن إبراء الكفيل أيضا يرتد بالرد ا هـ .

قال في النهر : وفيه نظر ، ولم يبين وجهه .

وأجاب المقدسي بأن ما في الخانية في معنى الإقالة لعقد الكفالة ، فحيث لم يقبلها الكفيل بطلت فتبقى الكفالة ، بخلاف الإبراء ; لأنه محض إسقاط فيتم بالمسقط ا هـ ، على أن ما في الهداية منصوص عليه في كافي الحاكم .

( قوله : والتأجيل ) هذا غير موجود في عبارة الدرر كما عرفته ، نعم هو في الفتح كما ذكرناه آنفا .

( قوله : لا الكفيل ) أي لا يشترط قبول الكفيل الإبراء والتأجيل ، لكن لم يذكر في الدرر عدم اشتراطه في التأجيل وهو غير صحيح ، بل هو شرط كما سمعته من كلام الفتح .

( قوله : وفي فتاوى ابن نجيم إلخ ) ونصها : سئل عن رجل ضمن آخر في دين عليه ثمن مبيع أو أجرة لازمة عليه ، ثم إن رب المال أجله على الكفيل إلى مدة معلومة هل يصير مؤجلا عليه وحده وعلى الأصيل حالا أو مؤجلا عليهما ؟ أجاب يصير مؤجلا عليهما كما صرح به في الحاوي القدسي ا هـ .

أقول : هذا غير صحيح لمخالفته لعبارات المتون والشروح ، على أني راجعت الحاوي القدسي فرأيت خلاف ما عزاه إليه .

ونص عبارة الحاوي : وإن أخر الطالب الدين عن الأصيل كان تأخيرا عن الكفيل ، وإن أخره عن الكفيل لم يكن تأخيرا عن الأصيل ا هـ بالحرف ، وكأن ابن نجيم اشتبه عليه ذلك بما لو تكفل بالحال مؤجلا مع أن صريح السؤال خلافه فافهم .

( قوله : فليحفظ ) بل الواجب حفظ ما في كتب المذهب ; لأن هذا سبق نظر فلا يحفظ ولا يلحظ




الخدمات العلمية