الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القسم الخامس .

                                                                                                                                            وأما القسم الخامس : وهو أن تكون الفرقة من غيرهما ، وهو أن تكون زوجته صغيرة ، فترضعها أمه أو بنته فتحرم عليه ، فتكون هذه الفرقة كالطلاق ؛ لأنها تملك بها نصف المسمى ، فوجب أن تستحق المتعة عند عدم المسمى ، وترجع بالمتعة على التي حرمتها كما ترجع عليها بصداقها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            فرع : وإذا تزوج امرأة ، وأصدقها أن تعتق عبده سالما عنها ، صح الصداق وعليه عتقه عنها ؛ لأن المعارضة على هذا العتق جائزة ، فلو أعتقه ثم طلقها قبل الدخول ، رجع عليها بنصف قيمته ، ولو طلقها قبل الدخول وقبل عتقه عنها ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك على وجهين :

                                                                                                                                            [ ص: 553 ] أحدهما : أنه يعتق عنها نصفه ، ويقوم عليها نصفه الباقي إن كانت موسرة ؛ لأن عتق نصفه كان باختيارها ، فلذلك وجب تقديم باقيه عليها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يعتق عنها شيء منه ؛ لما فيه من إدخال الضرر عليها في التقويم وإدخاله على العبد ، وعلى السيد في التبعيض ، وترجع الزوجة عليه ببدله ، وفيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : قيمة نصف العبد .

                                                                                                                                            والثاني : نصف مهر مثلها ، ليرفع ذلك الضرر عن الجميع .

                                                                                                                                            فرع : وإذا أصدق الذمي زوجته الذمية خمرا ، فصار الخمر في يد الزوج خلا بغير علاج ، وأسلم الزوجان فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يصير الخمر خلا قبل إسلامهما ، فعليه أن يدفعه إليها بعد مصيره خلا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يصير خلا بعد إسلامها ، فلا يلزمه دفعه خلا إليها ، ويدفع إليها مهر مثلها .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أنه قبل الإسلام يجوز دفعه خمرا ، فلذلك وجب دفعه بعد مصيره خلا ؛ لبقاء حكم الصداق عليه ، وبعد الإسلام لا يجوز دفعه خمرا ، فلم يجب دفعه بعد مصيره خلا ؛ لانتفاء حكم الصداق عنه ، فلو دفع الخمر إليها في الشرك ثم أسلما ، وطلقها الزوج قبل الدخول لم يرجع عليها بنصف الخمر ؛ لأن الخمر لا يستحقه مسلم ، ولا بقيمته ؛ لأننا لا نحكم له بقيمته ولا ببدله ؛ لأن ما لا قيمة له لا بدل له ، فلو كان الخمر قد صار خلا قبل طلاقه ، ففي رجوع الزوج بنصفه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع بنصف الخل ؛ لأن عين الصداق موجودة على صفة يجوز أن يملك معها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجوز أن يرجع بنصفه لزيادته عن حال ما أصدق ، ولا يرجع بقيمة الخمر ؛ لأنها لا تجوز فلا يرجع بشيء في هذا الطلاق ، ولا فرق هاهنا بين أن يصير خلا قبل إسلامها أو بعده ؛ لاستقرار ملكها عليه بالقبض ، ولكن لو صار خلا بعد الطلاق لم يرجع عليها بنصفه وجها واحدا ؛ لكونه وقت طلاقها غير مستحق ، ولو صار قبل طلاقها فاستهلكه ثم طلقها قبل الدخول لم يرجع عليها بنصف قيمة الخل وجها واحدا ، ولا يكون له عليها شيء ؛ لأن ما يرجع الزوج به من قيمة الصداق معتبر بأقل أحواله من وقت العقد إلى وقت القبض ، وقد كان في هذه الأحوال مما لا قيمة له .

                                                                                                                                            [ ص: 554 ] فرع : وإذا زوج الرجل عبده بامرأة وجعل رقبته صداقها ، فإن كانت الزوجة حرة ، فالنكاح باطل ؛ لأن تصحيح النكاح يجعلها مالكة لزوجها ، وإذا ملكت المرأة زوجها بطل النكاح .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا صح النكاح ، وبطل الصداق ؟

                                                                                                                                            قيل : لأن هذا العقد قد أوجب أن يكون الزوج مالكا لبضعها بالنكاح ، وأن تكون الزوجة مالكة لرقبته بالصداق ، وليس إثبات أحدهما بأولى من النكاح الآخر فبطلا جميعا . وإن كانت الزوجة أمة صح النكاح والصداق جميعا ؛ لأنه يصير بهذا العقد ملكا لسيد زوجته ، وليس يمتنع أن يكون الزوجان في ملك سيد واحد ، فلو أن العبد - والمسألة بحالها - طلق زوجته الأمة قبل الدخول ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يرجع سيده المزوج له بنصفه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يرجع بشيء ، وهذان الوجهان بناء على اختلاف أصحابنا فيمن أصدق عن عبده مالا ، ثم طلق العبد قبل الدخول وقد باعه سيده ، فهل يكون نصف الصداق ملكا لسيده الأول الذي بذله عنه ، أو لسيده الثاني الذي طلق وهو في ملكه ؟ على وجهين ، ذكرناهما في كتاب النكاح ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية