الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - وإن أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا لم يحل لأنه أرسله على غير صيد فلم يحل ما اصطاده كما لو حل رباطه فاسترسل بنفسه واصطاد وإن أرسل سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا فأصاب صيدا ففيه وجهان قال أبو إسحاق : يحل لأنه قتله بفعله ولم يفقد إلا القصد إلى الذبح وذلك لا يعتبر كما لو قطع شيئا وهو يظن أنه خشبة فكان حلق شاة ( ومن ) أصحابنا من قال : لا يحل وهو الصحيح لأنه لم يقصد صيدا بعينه فأشبه إذا نصب أحبولة فيها حديدة فوقع فيها صيد فقتلته وإن كان في يده سكين فوقعت على حلق شاة فقتلها حل في قول أبي إسحاق لأنه حصل الذبح بفعله وعلى [ ص: 139 ] قول الآخر لا تحل لأنه لم يقصد ، وإن رأي صيدا فظنه حجرا أو حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل أكله ، لأنه قتله بفعل قصده وإنما جهل حقيقته ، والجهل بذلك لا يؤثر كما لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة وإن أرسل على ذلك كلبا فقتله . ففيه وجهان ( أحدهما ) يحل كما إذا رماه بسهم ( والثاني ) لا يحل ، لأنه أرسله على غير صيد فأشبه إذا أرسله على غير شيء .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذ أرسل كلبا وهو لا يرى صيدا فاعترض صيدا فقتله لم يحل لما ذكره المصنف وهذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ، وحكى الروياني في كتابه الكافي وغيره من أصحابنا فيه وجها أنه يحل وهو شاذ ضعيف ، ولو أرسل سهما في الهواء وهو لا يرى صيدا ، أو أرسله في فضاء الأرض لاختبار قوته ، أو رمى إلى هدف فاعترض صيدا فأصابه وقتله ، وكان لا يخطر له الصيد ، أو كان يراه ولكن رمى إلى هدف أو ذئب ، ولم يقصد الصيد ، فوجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( الصحيح ) المنصوص لا يحل لعدم قصده ، ( والثاني ) يحل ، قال أبو إسحاق ، ولو كان يحل سيفه فأصاب عنق شاة وقطع الحلقوم والمريء من غير علم بالحال فطريقان : ( المذهب ) أنه ميتة محرمة ، وبه قطع إمام الحرمين وغيره ، والثاني فيه وجهان . ولو رمى ما ظنه حجرا أو جرثومة أو آدميا معصوما أو غير معصوم ، أو خنزيرا أو حيوانا آخر محرما ، فكان صيدا فقتله ، أو ظنه صيدا غير مأكول ، فكان مأكولا ، أو قطع في ظلمة ما ظنه ثوبا فكان حلق شاة ، فانقطع الحلقوم والمريء ، أو أرسل كلبا إلى شاخص يظنه حجرا فكان صيدا ، أو لم يغلب على ظنه شيء من ذلك ، أو ذبح في ظلمة حيوانا فظنه [ ص: 140 ] محرما ، وكان شاة ، فالمذهب أنه حلال في جميع هذه الصور ، وفي الجميع وجه ضعيف أنه حرام لعدم القصد ، ولو رمى إلى شاته الربيطة سهما جارحا فأصاب الحلقوم والمريء وفاقا ، وقطعهما ، ففي حل الشاة مع القدرة على ذبحها احتمال لإمام الحرمين ، قال : ويجوز أن يفرق بين أن يقصد الذبح بسهمه ، وبين أن يقصد الشاة فيصيب للمذبح ، والأصح الحل ، والله تعالى أعلم .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء فيمن رمى شيئا يظنه حجرا وكان صيدا فقتله ، قد ذكرنا أن الصحيح عندنا حله ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال مالك : لا يحل ، وقال محمد بن الحسن : إن ظنه حجرا لم يحل ، وإن ظنه حيوانا محرما كالكلب والخنزير حل إلا أن يظنه آدميا فلا يحل ، وكذا قال أحمد : إذا ظنه إنسانا لم يحل ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إذا رأى خنزيرا بريا أو أسدا أو ذئبا وكان ظبيا حل ، وقال زفر : لا يحل .



                                      ( فرع ) في مذاهبهم فيمن أرسل كلبا على صيد وأخذ غيره في طريقه وسمته ، مذهبنا أنه حلال كما سبق ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، وقال مالك وداود : لا يحل .




                                      الخدمات العلمية