الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3158 3335 - حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش قال: حدثني عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل ". [6867، 7321 - مسلم: 1677 - فتح: 6 \ 364]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              خليفة : هو آدم، واختلف: لم سمي آدم خليفة؟! فقيل: لأنه يخلفه من بعده، وقيل: لأنه يخلف من قبله. والوجهان سائغان في اللغة، أو يكون فعيلا بمعنى فاعل وبمعنى مفعول. وقول ابن عباس أخرجه ابن جرير عن محمد بن سعد: حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله -عز وجل-: إن كل نفس لما عليها [ ص: 276 ] حافظ [الطارق: 4] قال: كل نفس لما عليها حافظ: حفظة يحفظون عملك ورزقك أو أجلك إذا توفيته يا ابن آدم قبضت إلى ربك -عز وجل-.

                                                                                                                                                                                                                              وفي تفسير ابن عباس: جمع ابن أبي زياد لما عليها حافظ يداه ورجلاه وملكاه اللذان يحفظان عليه عمله.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف القراء في تشديد لما وتخفيفه، فثقل حمزة وكذا الحسن يقول: (إلا عليها حافظ) وكذا كل شيء في القرآن بالتشديد. وخفف أبو عمرو ونافع بمعنى: إن كل نفس لعليها حافظ. وعلى أن اللام جواب إن، و(ما) التي بعدها صلة، وإذا كان كذلك لم يكن مشددا، وهو المختار، وأنكر الأول، غير أن الفراء نقلها عن هذيل، وقال أبو زكريا يحيى بن زياد في "معانيه": قراءة العوام بالتشديد وخفف بعضهم.

                                                                                                                                                                                                                              والكبد: الشدة والمشقة أو تكابد أمور الدنيا والآخرة أي: تعالجها.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الريش قول آخر: أنه الجمال والهيئة، وقيل: المعاش.

                                                                                                                                                                                                                              وتفسير مجاهد أخرجه ابن جرير من حديث ابن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عنه. وفي لفظ: الماء بدل النطفة، وعن الضحاك: إن شئت رددته كما خلقته من الماء. وفي رواية إن شئت [ ص: 277 ] رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الصبى إلى (النطفة) وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء لقادر. وعن قتادة: معناه أن الله قادر على بعثه وإعادته.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: معناه أن الله تعالى على رد الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا كهيئته قبل مماته لقادر.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تفسير عبد بن حميد" عن علي قال: أن يرده نطفة في صلب أبيه.

                                                                                                                                                                                                                              وتفسير أبي العالية من رواية خصيف عنه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( فأزلهما ): فاستزلهما أي: دعاهما إلى الذلة. وقرئ (فأزالهما) وأنكره أبو حاتم وقال: إنه لا يقدر على أكثر من الوسوسة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري في الباب عشرة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعا، تم قال اذهب فسلم على أولئك من الملائكة، [ ص: 278 ] فاستمع ما يحيونك، تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه في الاستئذان أيضا، وقد أسلفنا صفة الذراع في صفة الجنة، وقال ابن التين: قيل المراد: بذراعنا; لأن ذراع كل أحد مثل ربعه، ولو كانت بذراعه لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده كالإصبع والظفر. وقيل: هي ستون بذراعه. وقيل: إنه كان يقارب أعلاه السماء، وإن الملائكة كانت تتأذى بنفسه فخفضه الله إلى ستين ذراعا.

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر الحديث خلافه، فإنه خلق وطوله ستون ذراعا، نعم روى ابن جرير من حديث (جرير) ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح قال: لما أهبط الله آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء، يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم ويأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله ذلك في دعائها فخفضه الله إلى الأرض. وقاله قتادة وأبو صالح عن ابن عباس وأبو يحيى القتات عن مجاهد، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" من حديث طلحة بن عمرو الحضرمي عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 279 ] وقال الثوري: خلق الله آدم في أول نشأته على صورته التي كان عليها في الأرض، وتوفي عنها وهي ستون ذراعا، ولم ينتقل أطوارا كذريته، وكانت صورته في الجنة هي صورته في الأرض لم تتغير.

                                                                                                                                                                                                                              وقال القرطبي: إن الله يعيد أهل الجنة إلى خلقة أصلهم الذي هو آدم، وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله عليه في الجنة، وكان طوله فيها ستين ذراعا في الارتفاع من ذراع نفسه.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويحتمل أن يكون هذا الذراع مقدرا بأذرعتنا المتعارفة عندنا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فورك قبلهما: صورة آدم كهذه الصورة (إبطالا لمن) زعم أنها كانت على هيئة أخرى كما في بعض الروايات من ذكر طوله، وذلك مما لا يوثق به; إذ ليس في ذلك خبر صحيح، وإنما المعول في مثله على كعب أو وهب من حديث التوراة ولا يعتد بشيء من ذلك، ولم يثبت من جهة أخرى أنه كان على خلاف هذه الخلقة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("اذهب فسلم على أولئك") هو أول مشروعية السلام، وهو دال على تأكده، وإفشاؤه سبب للمحبة الدينية ودخول الجنة العلية، وقد قيل بوجوبه فيما حكاه القرطبي.

                                                                                                                                                                                                                              ويؤخذ منه: أن الوارد على جلوس يسلم عليهم، والأفضل تعريفه، وإن نكره جاز

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 280 ] وفيه: الزيادة في الرد على الابتداء وأنه لا يشترط في الرد بالإتيان بالواو. وقد سلف، وسيأتي له زيادة في الاستئذان.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن") يريد كما يزيد (الإنسان) شيئا فشيئا، ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين المتواليين، فإذا كثرت الأيام تبين ما زاد.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر.. ". سلف في وصف الجنة، وزاد هنا: "على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعا في السماء" وزاد هنا بعد: "ومجامرهم الألوة" "الأنجوج عود الطيب" وسقط في بعض النسخ ذلك، وأخرجه مسلم أيضا. وفي رواية أبي ذر: الألنجوج، ويقال: اليلنجوج.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: الألوة: الند، والألنجوج: عود من الطيب، ونص الحديث مع قول أهل اللغة أن الألوة: العود، وهو الألنجوج.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أم سليم تقدم في الطهارة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 281 ] الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن سلام أنه بلغه مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فأتاه، فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينرع الولد إلى أبيه ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فأجابه بأن أول أشراطها أن يحشر الناس من المشرق إلى المغرب. والطعام زيادة كبد الحوت، والشبه بالسبق. فأسلم.. الحديث بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              وهو من أفراده وأخرجه مطولا في الهجرة، وفي "دلائل النبوة" للبيهقي: سأله عن السواد الذي في القمر، بدل أشراط الساعة. وفي آخره: لما قالت اليهود ما قالوا في ابن سلام ثانيا بعد أول فقال - عليه السلام -: "أجزنا الشهادة الأولى، وأما هذه فلا".

                                                                                                                                                                                                                              ولمسلم: أن يهوديا قال: يا رسول الله أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال - عليه السلام -: "في الظلمة دون الجسر" قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: "فقراء المهاجرين" ثم سأله عدة مسائل.

                                                                                                                                                                                                                              وللبيهقي من حديث أبي ظبيان عن أصحابه من الصحابة: "أما نطفة الرجل فبيضاء غليظة، منها العظام والعصب، وأما نطفة المرأة فحمراء رقيقة منها اللحم والدم" فقال: أشهد أنك رسول الله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 282 ] وللبخاري من حديث أبي سعيد نحو ما سلف. وعن أبي هريرة: - رضي الله عنه - "يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير، ويحشر بقيتهم النار" الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا هو الحشر الثاني كما قاله قتادة، وهو قبل الساعة، وهو آخر أشراطها كما صرح به في مسلم، يؤيده قوله: "تقيل معهم حيث قالوا" وفي رواية: "إذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام".

                                                                                                                                                                                                                              وأما الحليمي في "منهاجه" فحمل حديث أبي هريرة: "يحشر الناس على ثلاث طرائق" على الآخرة وأنها: الأبرار، والمخلصون، والكفار. فالأبرار على النجائب، والمخلصون على الأبعرة، والكفار تبعث إليهم ملائكة تقيض لهم نارا يسوقونهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي: "يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم". وفيه: "أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك".

                                                                                                                                                                                                                              وعند الغزالي: قيل: يا رسول الله كيف يحشر الناس؟ قال: "اثنان على بعير، وخمسة على بعير، وعشرة على بعير".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 283 ] وللنسائي عن أبي ذر: "يحشرون ثلاثة أفواج: فوج راكبين طاعمين كاسين، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم، وفوج يمشون ويسعون".

                                                                                                                                                                                                                              ولابن الجوزي من حديث الضحاك عن ابن عباس: "إذا اجتمع أهل الجنة تحت شجرة طوبى، أرسل الله إليهم الحوت الذي قرار الأرض عليه، والثور الذي تحت الأرضين، فينطح الثور الحوت بقرنيه فيزكيه لأهل الجنة، فيأكلون فيجدون فيه ريح كل طيب، وطعم كل ثمرة".

                                                                                                                                                                                                                              وقال: "ثم يقول الله لأهل الجنة: إن لكل ضيف جزورا وإني أجزركم اليوم..
                                                                                                                                                                                                                              " الحديث. قال: فكأنهم أعلموا أن الدنيا ذهبت وذهب ما كان يحملها، فلا رجوع إليها، وهذه الدار هي دار الإقامة. وسيأتي لهذا تتمة في الرقاق.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              أشراط الساعة: علاماتها، واحدها: شرط، يقال: أشرط للأمر إذا جعل نفسه علما فيه، وبه سمي أصحاب الشرط، للبسهم لباسا يكون علامة لهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "آنفا" أي: الساعة، أي: في أقرب الأوقات إلى قوله.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (اليهود قوم بهت) أي: كذابون ممارون ولا يرجعون إلى الحق.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث همام بن منبه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه -يعني-: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها" [ ص: 284 ] ويأتي في أحاديث الأنبياء، وذكر الطرقي أنه أخرجه في التفسير.

                                                                                                                                                                                                                              ولم يذكر أبو مسعود أن مسلما أخرجه، وذكره خلف، قال الحميدي في حديث همام عن أبي هريرة: جعله أبو مسعود من أفراد البخاري وهما منه; لأن مسلما أخرجه في النكاح من حديث همام، عن أبي هريرة، وهو في مسلم عن محمد بن رافع، عن أبي هريرة، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي يونس -مولى أبي هريرة- عن أبي هريرة يرفعه: "لولا حواء لم تخن أنثى زوجها".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              يقال: خنز اللحم -بالكسر- يخنز -بفتحها- خنزا: أنتن، وخزن يخزن على القلب، مثل جبذ وجذب. قال ابن سيده: خنز اللحم والتمر والجوز، خنوزا، فهو خنز وخنز: فسد، الفتح عن يعقوب، وادعى القرطبي أن خنز بفتح النون في الماضي، وقد تكسر.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو نعيم في "الحلية" عن وهب بن منبه قال: وجدت في بعض الكتب عن الله تعالى: لولا أني كتبت الفناء على الميت لحبسه أهله في بيوتهم، ولولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنته الأغنياء عن الفقراء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 285 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              كان المن والسلوى يسقط على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس كسقوط الثلج، فيؤخذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلا يوم الجمعة، فإنهم يأخذون له وللسبت فإن قعدوا به (إلى) أكثر من ذلك فسد ما ادخروا فكان ادخارهم فسادا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، قاله قتادة، وقال بعضهم: لما نزلت المائدة عليهم أمروا ألا يدخروا فادخروا. وقيل: يحتمل أن يكون من اعتدائهم في السبت.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              حواء بالمد سميت بذلك; لأنها أم كل حي، أو لأنها خلقت من ضلع آدم القصيري الأيسر، وهو حي قبل دخوله الجنة، وقيل: فيها. ومعنى خلقت: أخرجت كما تخرج النخلة من النواة. ويحتمل كما قال القاضي أن يكون قصد بهذا المثل. أي: (فهي) كالضلع، يوضحه قوله في حديث أبي هريرة: "لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج، فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".

                                                                                                                                                                                                                              والعوج: بالفتح في الأجسام المحسوسة، وبالكسر في المعاني، وقال ثعلب: هو عند العرب بكسر العين في كل ما لا يحاط به، وبفتحها في كل ما يتحصل، فيقال في الأرض عوج، وفي الدين عوج; لأن هؤلاء لا يتسعان ولا يدركان، وفي العصا عوج، وفي السن عوج; لأنهما يحاط بهما ويبلغ بكليهما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 286 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("ولولا حواء لم تخن أتثى زوجها") يريد أنها دعت آدم إلى الأكل من تلك (الشجرة) وذكر الماوردي: إنها البر، وقيل: التين، وقيل: الكافور، وقيل: الكرم. وقيل: العلم، وهو علم كل شيء، وقيل: ما لم يعلم، وقيل: شجرة الخلد، التي كانت تأكل منها الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديثه أيضا: "استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"..

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم أيضا. وقوله: "استوصوا": يحتمل أن يكون معناه: أوصوا بهن، وقد جاء استفعل بمعنى أفعل; قال تعالى: فليستجيبوا لي [البقرة: 186] وقال: ويستجيب الذين آمنوا [الشورى: 26] قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              فلم يستجبه عند ذاك مجيب



                                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون استفعل على أصله، وهو طلب الفعل، فيكون معناه: اطلبوا الوصية من المريض بالنساء; لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية. ذكرهما ابن الجوزي.

                                                                                                                                                                                                                              وخص النساء بالذكر; لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن، يعني: اقبلوا وصيتي فيهن، واعملوا بها، واصبروا عليهن، وارفقوا بهن، وأحسنوا إليهن.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 287 ] قال الداودي: يريد بقوله: "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه" يريد اللسان; لأنه في أعلاها، وهو غريب.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وقوله: "إن ذهبت تقيمه كسرته" يعني: الطلاق. وأنكر ذلك عليه. كما قال ابن التين; فإن الحديث إنما ذكر فيه الضلع ولم يذكر النساء إلا بالتمثيل بالضلع.

                                                                                                                                                                                                                              والضلع الذي خلقت منه هي ضلع آدم اليسرى، والالتواء الذي في أخلاق النساء من ذلك; لأن الضلع عوجاء. قال: وقوله: "أعلاه" صوابه: أعلاها.

                                                                                                                                                                                                                              وكذا قوله: "لم يزل أعوج" صوابه: عوجاء; وذلك أن الضلع مؤنثة إلا أن ذلك يجوز على ما ذكر في المؤنث ليس بقدح، وقد يحتمل أن يعود "لم يزل أعوج" على أعلى الضلع. والضلع: بكسر الضاد وفتح اللام، وقد تسكن أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن مسعود: "إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما.. " الحديث، وسلف قريبا في باب ذكر الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أنس، مثله، سلف في الطهارة في باب مخلقة وغير مخلقة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              حديثه أيضا يرفعه: "أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم. قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 288 ] هذا الحديث سلف حكمه في الإيمان، وذكر خلف والمزي أن البخاري أخرجه في صفة النار، ومسلم في التوبة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث العاشر: حديث عبد الله: "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها; لأنه أول من سن القتل"..

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث يأتي في الديات والاعتصام، وأخرجه مسلم أيضا. الكفل: بكسر الكاف وإسكان الفاء النصيب والجزء، وقال الخليل: الكفل من الأجر والإثم: هو الضعف.

                                                                                                                                                                                                                              وفي التنزيل: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها [النساء: 85] وأما قوله تعالى: يؤتكم كفلين من رحمته [الحديد: 28] فلعله من تغليب الخير.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("أول من سن القتل") جاز في الخير والشر كما في الصحيح: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" وهذا والله أعلم ما لم يتب ذلك الفاعل الأول من تلك المعصية; لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 289 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ابن آدم المذكور هنا هو قابيل إذ قتل أخاه هابيل لما تنازعا في تزويج إقليما، وقصتهما مشهورة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: وأهل العلم يختلفون في اسم القاتل فبعضهم يقول: هو قين بن آدم. وبعضهم يقول: هو قاين بن آدم، وبعضهم يقول: هو قابيل.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا أيضا في سبب قتله هابيل، فقال عبد الله بن عمرو: إن الله أمر ابني آدم أن يقربا قربانا، وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه، وصاحب الحرث قرب شر حرثه، فتقبل الله قربان الأول.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس: كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق، وإنما كان القربان يقربه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا: لو قربنا قربانا. فتقبل من أحدهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحسن: لم يكن الرجلان اللذان قال الله فيهما: واتل عليهم نبأ ابني آدم [المائدة: 27] كانا من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن جرير: وذكر لي أن في التوراة أن هابيل قتل وله عشرون سنة، وأن أخاه الذي قتله كان ابن خمس وعشرين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال معاوية بن عمار فيما حكاه الثعلبي: سألت الصادق أكان آدم يزوج ابنته من ابنه فقال: معاذ الله، وإنما هو لما هبط إلى الأرض ولدت حواء بنتا فسماها عناق، وهي أول من بغى على وجه الأرض، فسلط الله [ ص: 290 ] عليها من قتلها فولد على إثرها قابيل، فلما أدرك أظهر الله له جنية يقال لها: جمانة. وأوحى الله إليه: زوجها منه. فلما أدرك هابيل أهبط الله إليه من الجنة حوراء اسمها: بذلة وأوحى الله إليه أن زوجها منه، فعتب قابيل على أبيه وقال: أنا أسن منه وكنت أحق بها. قال: يا بني إن الله أوحى إلي بذلك، فقربا قربانا. قال ابن عباس: فقبله عند نود، قال مرة: عند عقبة الجزاء، وقيل: عند المسجد الأعظم بالبصرة، وقال ابن عباس: من قال إن آدم قال شعرا فقد كذب على الله وعلى رسوله، إن الأنبياء كلهم في النهي سواء نبينا فمن قبله.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              تفسير هابيل: هبة الله، كما قاله السهيلي، فلما قتل وولد شيث سماه بذلك، ومعناه: عطية الله بدلا من الهبة.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تاريخ ابن واصل" الذي على السنن: ذكر بعض المؤرخين أن المقتول قابيل بن آدم، واشتق اسمه من قبول قربانه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية